المجلس الثالث والعشرون
لمّا مات معاوية ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستّين من الهجرة ـ وتخلّف بعده ولده يزيد ، كتب يزيد إلى ابن عمّه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وكان والياً على المدينة ـ يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصّة على الحسين (ع) ، ولا يرخص له في التأخّر عن ذلك ، ويقول : إنْ أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه. فأحضر الوليد مروان بن الحكم واستشاره في أمر الحسين (ع) ، فقال : إنّه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه. فقال الوليد : ليتني لم أك شيئاً مذكوراً. ثمّ بعث إلى الحسين (ع) في الليل فاستدعاه ، فعرف الحسين (ع) الذي أراد ، فدعا بجماعة من أهل بيته ومواليه ـ وكانوا ثلاثين رجلاً ـ فأمرهم بحمل السلاح ، وقال لهم : «إنّ الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ، ولست آمن أنْ يكلّفني فيه أمراً لا اُجيبه ، وهو غير مأمون ، فكونوا معي ، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فإنْ سمعتم صوتي قد علا ، فادخلوا عليه لتمنعوه عنّي». فصار الحسين (ع) إلى الوليد ، فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى إليه الوليد موت معاوية ، فاسترجع الحسين (ع) ، ثمّ قرأ الوليد عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه ليزيد. فقال الحسين (ع) : «إنّي أراك لا تقنع ببيعتي سرّاً حتّى اُبايعه جهراً فيعرف ذلك النّاس». فقال له الوليد : أجل. فقال الحسين (ع) : «تصبح وترى رأيك في ذلك». فقال له الوليد : انصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة النّاس. فقال له مروان : والله ، لئن فارقك الحسين السّاعة ولم يبايع ، لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ، ولكن احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسين (ع) عند ذلك ثمّ قال : «ويلي عليك يابن الزرقاء! أنت تأمر بضرب عنقي؟! كذبت والله ولؤمت». ثمّ أقبل على الوليد فقال : «أيها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرّسالة ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله. ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة». ثمّ خرج ومعه مواليه