المجلس الثّامن عشر بعد المئتين
قال أمير المؤمنين (ع) : «خطَبنا رسول الله (ص) ، فقال : أيّها النّاس ، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشّهور ، وأيّامه أفضل الأيّام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل السّاعات. [شهرٌ] دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعلتم فيه من أهل كرامته ؛ أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مُستجاب ، فاسألوا ربّكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة أنْ يُوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه ؛ فإنّ الشّقي مَن حُرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم. واذكروا بجُوعكم وعطشكم فيه جُوعَ يوم القيامة وعطشه ، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكنيكم ، ووقّروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم ، وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم ، وتحنَّنوا على أيتام النّاس يُتحنَّن على أيتامكم ، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ، وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم ؛ فإنّها أفضل السّاعات ، ينظر الله عزَّ وجل فيها بالرّحمة إلى عباده ، يُجيبهم إذا ناجوه ، ويُلبِّيهم إذا نادوه ، ويُعطيهم إذا سألوه ، ويستجيبُ لهم إذا دعوه. يا أيّها النّاس ، إنّ أنفسكم مرهونةٌ بأعمالِكم ففكّوها باستغفاركم ، وظهورَكم ثقيلةٌ من أوزاركم فخفِّفوا عنها بطول سُجودكم. واعلموا أنّ الله تعالى ذكرُه أقسم بعزَّته أنْ لا يُعذِّب المُصلِّين والسّاجدين ، وأنْ لا يُروِّعهم بالنّار يوم يقومُ النّاس لربِّ العالمين. أيّها النّاس ، مَن فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عتق رقبة ، ومغفرة لِما مضى من ذنوبه. فقيل : يا رسول الله ، وليس كُلّنا يقدر على ذلك. فقال (ص) : اتّقوا الله ولو بشق تمرة ، اتّقوا الله ولو بشربة من ماء. أيّها النّاس ، مَن حسّنَ منكم في هذا الشّهر خُلقَه ، كان له جواز على الصّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام ، ومَن خفّف في هذا الشّهر عمّا ملكت يمينه ، خفّف الله عنه حسابه ، ومَن كفّ فيه شرّه ، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومَن أكرم فيه يتيماً ، أكرمه الله يوم