المجلس التاسع عشر بعد المئتين
جاء أعرابي إلى النّبي (ص) في عام جدب ، فقال : أتيناك ولم يبقَ لنا صبيٌّ يرتضع ، ولاشارف (أي : ناقة) تجتر. ثمّ أنشد :
أتيناكَ والعذراءُ يَدمَى لبانُها |
|
وقد شُغِلتْ اُمُّ الرَّضيعِ عن الطَّفلِ |
وألفَى بكفَّيهِ الفتَى لاستكانةٍ |
|
من الجُوعِ حتّى ما يُمِرُّ ولا يُحلي |
وليسَ لنا إلاّ إليكَ فِرارُنا |
|
وأينَ فرارُ النَّاسِ إلاّ إلى الرُّسْلِ |
فقام النّبي (ص) يجرّ رداءه حتّى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «اللهمّ اسقنا غيثاً مغيثاً ، مريئاً هنيئاً ، مريعاً سحّاً ، سجّالاً غدقاً ، تُحيي به الأرض وتُنبتُ به الزّرع وتدرُّ به الضّرع ، واجعله سقياً نافعاً عاجلاً غير رائث». فما ردّ يده إلى نحره حتّى ألقت السّماء أرواقها ، وجاء النّاس يضجون : الغرق الغرق يا رسول الله! فقال : «اللهمّ ، حوالينا ولا علينا». فانجاب السّحاب عن المدينة حتّى استدار حولها كالإكليل ، فضحك رسول الله (ص) حتّى بدت نواجذه ، ثمّ قال : «لله درّ أبي طالب! لو كان حيّاً لقرّت عينُه. مَن يُنشدنا قوله؟». فقام علي (ع) ، فقال : «يا رسول الله ، لعلك أردت : وأبيضَ يُستسقَى الغَمامُ بوجهِهِ؟». فقال : «أجل». فأنشده أبياتاً من هذه القصيدة ، ورسول الله (ص) يستغفر لأبي طالب على المنبر. وفي هذه القصيدة يقول أبو طالب :
وأبيضَ يُستسقَى الغَمامُ بوجهِه |
|
ثِمالُ اليَتامَى عصمةٌ للأراملِ |
تلوذُ بهِ الهُلاّكِ منْ آلِ هاشم |
|
فهُمْ عندَهُ في نعمة ٍوفواضلِ |
كذبتُمْ وبيتِ اللهِ نُخْلي محمَّداً |
|
ولمّا نُطاعنْ دونَهُ ونُناضلِ |
وننصرُهُ حتّى نُصرَّعَ حولَهُ |
|
ونذهلُ عن أبنائِنا والحلائِل |