المجلس الحادي والعشرون بعد المئتين
روى المدائني قال : لمّا كان زمن علي بن أبي طالب (ع) ، ولي زياد بن أبيه بلاد فارس فضبطها ضبطاً صالحاً ، وجبى خراجها وحماها ، وعرف ذلك معاوية فكتب إليه : وأمّا بعد ، فإنّه غرّتك قلاع تأوي إليها ليلاً كما تأوي الطّير إلى وكرها ، وأيم الله ، لولا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك منّي ما قاله العبد الصّالح (أي : سُليمان (ع)) (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) فلمّا ورد الكتاب على زياد ، قام فخطب النّاس وقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النّفاق ، يُهددني وبيني وبينه ابن عمِّ رسول الله (ص) ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، وأبو السّبطين ، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مئة ألف من المهاجرين والأنصار ، والتّابعين لهم بإحسان! أما والله ، لو تخطَّى هؤلاء أجمعين إليّ لوجدني ضرّاباً بالسّيف. ثمّ كتب إلى أمير المؤمنين (ع) بذلك ، وبعث بكتاب معاوية في كتابه. فكتب أليه أمير المؤمنين (ع) : «أمّا بعد ، فإنّي قد ولّيتُكَ ما ولّيتك وأنا أراك لذلك أهلاً ، وإنّ معاوية كالشّيطان الرّجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، فاحذره ثمّ احذره ، والسّلام». فلم يزل زياد في عمله حتّى قُتل علي (ع) ، فخاف معاوية جانبه وأشفق من ممالأته الحسنَ بن علي عليهماالسلام ، فكتب إليه : من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد : أمّا بعد ، فإنّك عبدٌ كفرت النّعمة ، وظننت أنّك تخرج من قبضتي ولا ينالك سلطاني ، هيهات! ما كلّ ذي لبٍّ يُصيب رأيه ، ولا كلّ ذي رأي ينصح في مشورته. أمس عبد واليوم أمير ، خطّة ما ارتقاها مثلك يابن سُميّة ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فخُذ النّاس بالطّاعة والبيعة ، والسّلام. فلمّا ورد الكتاب على زياد ، غضب غضباً شديداً ، وجمع النّاس وصعد المنبر ، فحمد الله ، ثمّ قال : ابن آكلة الأكباد وقاتلة أسد الله ، ومظهر الخلاف ومسرّ النّفاق ورئيس الأحزاب ، ومَن أنفق ماله في إطفاء نور الله ، كتب إليّ