المجلس الثّاني والعشرون بعد المئتين
في شرح النّهج لابن أبي الحديد : كان سعيد بن سرح شيعةً لعلي بن أبي طالب (ع) ، فلمّا قدم زياد الكوفة والياً عليها أيّام معاوية ، طلب سعيدَ بنَ سرح وأخافه ، فأتى سعيدٌ الحسنَ بن علي عليهماالسلام مستجيراً به ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم ، وأخذ ماله ونقض داره. فكتب الحسن بن علي عليهماالسلام إلى زياد : «من الحسن بن علي إلى زياد : أمّا بعد ، فإنّك عمدتَ إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، فهدمت داره وأخذت ماله ، وحبست أهله وعياله ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فابني له داره واردد عليه عياله وشفّعني فيه ؛ فقد أجرته ، والسّلام». فلمّا ورد الكتاب على زياد ، كتب إلى الحسن (ع) : من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة ، أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة (أي : رعية) ، وتأمرني فيه بأمر المُطاع المُسلّط على رعيته. كتبت إليّ في فاسق آويته ؛ إقامة منك على سوء الرّأي ورضاً منك بذلك. وأيم الله ، لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك ، وإنْ نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك (١) فإنَّ أحبّ لحم إليّ أنْ آكله اللحم الذي أنت منه ، فسلّمه بجريرته إلى مَن هو أولى به منك ، فإنْ عفوتُ عنه لم أكن شفّعتك فيه ، وإنْ قتلتُه لم أقتله إلاّ لحبّه أباك ، والسّلام. فلمّا ورد الكتاب على الحسن (ع) ، قرأه وتبسّم ، وكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثة لهما : «من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سُميّة : أمّا بعد ، فإنّ رسول الله (ص)قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، والسّلام».
وقد اقتدى بزياد بن سُميّة في بغضه لعلي (ع) وشيعته نغلُه عبيد الله بن مرجانة ، فقد
____________________
(١) أي : غير مشفق عليك ولا راحم لك.