المجلس الثّالث والعشرون بعد المئتين
في كامل ابن الأثير قال : في سنة ستٍّ وخمسين بايع النّاس يزيد بن معاوية بولاية عهد أبيه ، وكان أوّل ذلك من المغيرة بن شعبة ؛ فإنّ معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويولّيها سعيد بن العاص ، فقال المغيرة : الرّأي أنْ أذهب إلى معاوية فاستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية. فدخل على يزيد ، وقال : ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟ قال : أترى ذلك يتم؟ قال : نعم. فدخل يزيد على أبيه وأخبره ، فأحضر المغيرة فأشار عليه ببيعة يزيد ، قال معاوية : ومَن لي بهذا؟ قال المغيرة : أنا أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة. قال : ارجع إلى عملك. فرجع إلى أصحابه ، فقالوا : مه. قال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على اُمّة محمَّد (والغرز : ركاب من جلد) ، وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً ، وأنشد :
بمثلِي شاهدِي النَّجْوى وغالَى |
|
بيَ الأعداءُ والخصمُ الغِضابا |
وقد صدق المغيرة في أنّه فتق على اُمّة محمَّد فتقاً لا يُرتق أبداً ؛ جرأة منه على الله تعالى واتّباعاً للهوى. وقدم المغيرة الكوفة وذاكر شيعة بني اُميّة بذلك فأجابوه ، فأوفد منهم عشرة وأعطاهم ثلاثين ألف درهم وجعل عليهم ابنه ، فقدموا على معاوية وزيّنوا له بيعة يزيد ، وادّعوا أنّه إنّما استخفّهم إليه النّظر لاُمّة محمَّد (ص). فقال معاوية : لا تعجلوا بإظهار هذا. وقال لابن المغيرة سرّاً عنهم : بِكَم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ فقال : بثلاثين ألف درهم. فقال : لقد هان عليهم دينهم ، ولقد وجد أبوك دينهم عندهم رخيصاً. واستشار معاوية زياداً فأشار بالتؤدة. وكتب معاوية إلى مروان : إنّي قد كبرت سنِّي ، وخشيت الاختلاف على الاُمّة بعدي ، وقد رأيت أن أتخيّر لهم مَن يقوم بعدي ، فأعرض ذلك وأخبرني بما يردّون عليك. فأخبرهم ، فقالوا : أصاب. فكتب إلى معاوية بذلك