المجلس الرّابع والعشرون بعد المئتين
روى ابن قتيبة في الإمامة والسّياسة ، وابن حجّة الحموي في ثمرات الأوراق وغيرهما من المؤرخين : أنّ يزيد بن معاوية شكا إلى وصيفٍ لأبيه ، تركَ أبيه النّظر في شأنه ، فأخبر الوصيفُ معاوية بذلك ، فأرسل إلى يزيد فقال : ما الذي أضعنا من أمرك وقد علمت أنّي تخطّيتُ النّاس كلَّهم في تقديمك ، ونصبتُك إماماً على أصحاب رسول الله (ص)؟! فقال يزيد : قد كان ما تُحدّث به من جمال اُرينب بنت إسحاق ، فرغبتُ إليك في نكاحها ، فتركتَ ذلك حتّى تزوّجت. فقال معاوية : اكتم أمرك. وكانت اُرينب مثلاً في جمالها وكثرة مالها ، فتزوّجها ابن عمِّها عبد الله بن سلام ، وكان من معاوية بالمنزلة الرّفيعة ، وكان عامله على العراق. فكتب إليه معاوية : أنْ أقبل لأمرٍ حظّك فيه كامل. فلمّا قدم الشّام ، قال معاوية لأبي هريرة وأبي الدّرداء : قد بلغت لي بنتٌ أردت تزويجها ليقتدي بي مَن بعدي ، وقد رضيت لها عبد الله بن سلام لدينه وفضله ، فاذكرا له ذلك عنّي. وقال معاوية لابنته : إذا ذُكر لك ذلك ، فقولي : كفؤ كريم ، لكن عنده اُرينب بنت إسحاق ، وأخاف أنْ يعرض لي [من] الغيرة ما يعرض للنساء ، فأسخط الله فيه ، ولستُ بفاعلة حتّى يُفارقها. فذكرا ذلك لعبد الله فسُرّ به ، وبعثهما إلى معاوية خاطبين ، فقال : قد علمتما رضاي به ، فادخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله زوجته. فقالت : إنّه في قريش لرفيع غير أنّ التّزويج هَزلُه جدٌّ وجدُّه ندمٌ ، والأناة في الاُمور أوفق ، وإنّي سائلة عنه. فلمّا أعلما عبد الله بقولها ، تمثّل وقال :
فإنْ يكُ صدرُ هذا اليومِ ولّى |
|
فإنَّ غداً لناظرُهُ قريبُ |
وتحدّث النّاس بذلك ولم يشكّوا في غدر معاوية بعبد الله ، فاستحثَّ عبد الله أبا هريرة وأبا الدّرداء فأتياها ، فقالت : قد سألتُ عنه فوجدته غير موافق مع اختلاف مَن