المجلس السّابع والعشرون بعد المئتين
روى المدائني : أنّ الإمام الحسن (ع) لمّا صالح معاوية ، قال أخوه الحسين (ع) : «لقد كُنتُ كارِهاً لِما كانّ طَيِّبُ النّفسِ على سَبيلِ أبي حتَّى عَزمَ عليَّ أخي فأطعتُهُ ، وكأنّما يُجَذُّ أنفي بالمَواسي». وقال ابن أبي الحديد : سيّد أهل الإباء الذي علّم النّاس الحميّة ، والموت تحت ضلال السّيوف اختياراً له على الدّنيّة ؛ أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، عُرض عليه الأمان وأصحابه ، فأنف من الذلِّ ، وخاف من ابن زياد أنْ يناله بنوع من الهوان مع أنّه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك. وهو الذي سنّ للعرب الإباء ، واقتدى به مَن جاء بعده مثل أبناء الزّبير وبني المهلّب وغيرهم ، وكان مصعب بن الزّبير يقول وهو يحارب جيش عبد الملك :
وإنَّ الاُلى بالطفِّ من آلِ هاشمٍ |
|
تآسَوا فسنُّوا للكرامِ التآسيَا |
ولكن أين أبناء الزّبير من آل أبي طالب؟! مصعب أسلمه ابنه ، وعبد الله بن الزّبير أسلمه أخوه ، ولمّا قتله الحجّاج ، أمسى ويد الحجّاج في يد أخي عبد الله بن الزّبير. أمّا آل أبي طالب فأبوا مفارقة الحسين (ع) وقد أذن لهم بالانصراف حتّى قُتلوا دونه. قال ابن أبي الحديد : وسمعت النّقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول : كأنّ أبيات أبي تمّام في محمَّد بن حميد الطّائي ، ما قيلت إلاّ في الحسين (ع) :
وَقَدكانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ |
|
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ |
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ |
|
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ |
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ |
|
رِجلَهُ وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ |
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمراً فَما أَتى |
|
لَها اللَيلُ إِلاّ وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ |