المجلس الثّامن والعشرون بعد المئتين
كان الحسين (ع) سيّد أهل زمانه ، وأفضلهم علماً وعملاً ، وحلماً وعبادة ، وزهداً وتواضعاً وإباء وبلاغة وفصاحة وغير ذلك. أمّا شجاعته فقد أنست شجاعة الشّجعان وبطولة الأبطال ، وفروسية مَن مضى ومَن يأتي إلى يوم القيامة. فهو الذي دعا النّاس إلى المبارزة ، فلم يزل يقتل كلَّ مَن برز إليه حتّى قتل مقتلة عظيمة ، وهو الذي قال فيه بعض الرّواة : والله ، ما رأيت مكثوراً قطْ قد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشاً ، ولا أمضى جناناً ، ولا أجرأ مقدماً منه. والله ، ما رأيت قبله ولا بعده مثله ؛ إنْ كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إنْ شدّ فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون من بين يدَيه كأنّهم الجراد المنتشر. وهو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض ، وقد اُثخن بالجراح ، قاتل راجلاً قتال الفارس الشّجاع ؛ يتَّقي الرّمية ، ويفترص العورة ، ويشدّ على الشّجعان وهو يقول : «أعلى قتلي تجتمعون؟!». وهو الذي جبّن الشّجعان وأخافهم وهو بين الموت والحياة حين بدر خولي ليحتزَّ رأسَه ، فضعف وأرعد. وفي ذلك يقول السيّد حيدر الحلي :
عفيراً متى عاينتْهُ الكُماةُ |
|
يختطفُ الرُّعبُ ألوانَها |
فما أجلتِ الحربُ عنْ مثلِهِ |
|
قتيلاً يُجبُّنُ شُجعانَها |
وهو الذي صبر على طعن الرّماح وضرب السّيوف ورمي السّهام حتّى صارت السّهام في درعه كالشّوك في جلد القنفذ ؛ وحتّى وجد في ثيابه مئة وعشرون رمية بسهم ، وفي جسده ثلاث وثلاثون طعنة برمح ، وأربع وثلاثون ضربة بسيف.
ومُجرّح ما غيَّرتْ منُهُ القَنا |
|
حُسناً ولا أخلفنَ منه جَديدَا |
قد كانَ بدْراً فاغتَدَى شمسَ الضُّحَى |
|
مُذْ ألبستهُ يدُ الدِّماءِ لبودَا |