المجلس التاسع والعشرون بعد المئتين
كان أهل بيت الحسين (ع) من أبنائه وإخوته ، وبني أخيه وبني عمومته ، خيرةَ أهل الأرض وفاءً وإباءً ، وشجاعة وإقداماً ، وعلوَّ هممٍ ، وشرفَ نفوسٍ ، وكرمَ طباع. فلله درّهم من عصبة رفعوا منار الفخر ، ولبسوا ثياب العزِّ غير مشاركين فيها ، وتجلببوا جلباب الوفاء ، وضمّخوا أعوام الدّهر بعاطر ثنائهم ، ونشروا راية المجد والشّرف تخفق فوق رؤوسهم ، وجلوا جيد الزّمان بأفعالهم الجميلة ، وأمسى ذكرهم حيّاً مدى الأحقاب والدّهور مالئاً المشارق والمغارب ، ونقشوا على صفحات الأيّام سطور مدح لا تُمحى وإنْ طال العهد ، وعاد سنا أنوارهم يمحو دُجى الظّلمات ، ويعلو نور الشّمس والكواكب! وهم الذين قال فيهم الحسين (ع) في خطبته ليلة العاشر : «إنّي لا أعلم أهل بيتٍ أبرَّ ، ولا أوصل من أهل بيتي». أبوا أنْ يُفارقوا الحسين (ع) وقد أذن لهم ، وفدوه بنفوسهم وبذلوا دونه مهجهم ، وقالوا لمّا أذن لهم في الانصراف : ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً. ولمّا قال لبني عقيل : «حسبُكُمْ من القتل بصاحبكم مسلم ، اذهبوا فقد أذنت لكم». قالوا : سبحان الله! فما يقول النّاس لنا ، وما نقول لهم؟ إنّا تركنا شيخنا وسيِّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرمِ معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا. لا والله ، ما نفعل ولكنْ نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك. فقُتلوا جميعاً بين يديه مقبلين غير مدبرين ، وهو الذي كان يقول لهم ـ وقد حمي الوطيس واحمرّ البأس ، مبتهجاً بأعمالهم ـ : «صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، فو الله ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً».
صالُوا وجالُوا وادَّوا حقَّ سيِّدِهمْ |
|
في موقفٍ عقَّ فيه الوالدَ الولدُ |
وشاقهُمْ ثمرُ العُقبَى فأصبحَ في |
|
صدورِهمُ شجرُ الخطيِّ يختضدُ |