المجلس الحادي والثّلاثون بعد المئتين
قد قضى العقل والدّين باحترام عظماء الرّجال أحياءً وأمواتاً ، وتجديد الذّكرى لوفاتهم وإظهار الحزن عليهم ، لا سيَّما مَن بذل نفسه وجاهد حتّى قُتل ؛ لمقصد سام وغاية نبيلة ، وقد جرت على ذلك الاُمم في كلِّ عصر وزمان ، وجعلته من أفضل أعمالها وأسنى مفاخرها. فحقيقٌ بالمسلمين ، بل جميع الاُمم أنْ يُقيموا الذّكرى للحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ؛ فإنّه من عظماء الرّجال وأعاظمهم في نفسه ، ومن الطّراز الأوّل ؛ جمع أكرم الصّفات وأحسن الأخلاق ، وأعظم الأفعال وأجلّ الفضائل والمناقب ، علماً وفضلاً ، وزهادة وعبادة ، وشجاعة وسخاء ، وسماحة وفصاحة ، ومكارم أخلاق ، وإباء للضيم ومقاومة للظلم. وقد جمع إلى كرم الحسب شرف العنصر والنّسب ، فهو أشرف النّاس أباً واُمّاً ، وجدّاً وجدّةً ، وعمّاً وعمّةً ، وخالاً وخالة ؛ جدّه رسول الله (ص) سيّد النّبيِّين وأفضل ولد آدم ، وأبوه علي أمير المؤمنين وسيّد الوصيين ، واُمّه فاطمة الزّهراء سيّدة نساء العالمين ، وأخوه الحسن المُجتبى ، وعمّه جعفر الطيّار مع ملائكة السّماء ، وعمُّ أبيه حمزة سيّد الشّهداء ، وجدّته خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الاُمّة إسلاماً ، وعمّته اُم هانيء ، وخاله إبراهيم ابن رسول الله (ص) وخالته زينب بنت رسول الله (ص). وقد جاهد لنيل أسمى المقاصد وأنبل الغايات ، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله ولا بعده ؛ فبذل نفسه وماله وآله في سبيل إحياء الدّين وإظهار فضائح المنافقين ، واختار المنية على الدّنية ، وميتة العزّ على حياة الذّل ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام. وأظهر من إباء الضّيم وعزّة النّفس ، والشّجاعة والبسالة ، والصّبر والثّبات ما بهر العقول وحيّر الألباب ، واقتدى به في ذلك كلُّ مَن جاء بعده حتّى قال القائل :
وإنَّ الاُلى بالطفِّ من آلِ هاشمٍ |
|
تآسَوا فسنُّوا للكرامِ التآسيَا |
وحتّى قال آخر : كأن أبيات أبي تمّام ما قيلت إلاّ في الحسين (ع) :