المجلس الثّاني والثّلاثون بعد المئتين
وفد على يزيد بن معاوية وفدٌ من أهل المدينة ، فلمّا رجعوا قالوا : قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويضرب بالطّنابير ، وتعزف عنده القيان ، ويلعب بالكلاب. فخلعوه وأخرجوا عامله على المدينة ، وحصروا بني اُميّة في دار مروان وكانوا ألف رجل ، فكتبوا إلى يزيد يستغيثون به ، ثمّ أخرجوهم من المدينة بعدما أخذوا علهيم العهود أنْ لا يعينوا عليهم ، ولا يدلّوا على عوراتهم. فبعث يزيد إلى عمرو بن سعيد بن العاص ليرسله في جيش إلى المدينة ، فلم يقبل ، فبعث إلى عبيد الله بن زياد يأمره بالمسير إلى المدينة وإلى ابن الزّبير بمكّة ، فقال : والله ، لا جمعتُها للفاسق ؛ قتل ابن رسول الله وغزو المدينة والكعبة! واعتذر إليه. وكان معاوية قال ليزيد : إنّ لك من أهل المدينة يوماً ، فإنْ فعلوا فارمهم بأعور بني مُرّة (يعني مسلم بن عقبة المُرّي) ، وكان أعور ، وكان أحد جبابرة العرب وشياطينهم. فأمره يزيد بالمسير إلى المدينة ، وكان مريضاً وهو شيخ كبير ، ثمّ أراد يزيد إعفاءه لمرضه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنشدك الله لا تحرمني أجراً ساقه الله لي. فلم يطِقْ أنْ يركب مع الوجع ، فحُمل على سرير على أعناق الرّجال ، وبعث يزيد معه اثني عشر ألفاً ، فسار مسلم بالجيش ، فلقيه بنو اُميّة في الطّريق فدلّوه على عورات أهل المدينة ورجعوا معه. وجعل أهل المدينة في كلّ منهلٍ بينهم وبين أهل الشّام زقّاً من قطران ، فكان من قدر الله تعالى أنْ مطرت السّماء ، فلم يستقوا بدلوٍ حتّى وردوا المدينة. وأوصى يزيد مسلم بن عقبة ، فقال : إذا ظهرت على أهل المدينة فأبحها ثلاثاً ، وكلُّ ما فيها من مال أو دابة ، أو سلاح أو طعام فهو للجُند ، وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيراً ؛ فإنّه لم يدخل مع النّاس
____________________
(١) تُنقل هذه الوقعة عن تاريخ الطبري ، والكامل في التاريخ لابن الأثير ، والفخري ، والإمامة والسّياسة ، والأخبار الطّوال ، والعقد الفريد ، والأغاني وغيرها. ـ المؤلّف ـ