المجلس الرابع والثّلاثون بعد المئتين
كان الحضين (١) بن المنذر الرّقاشي من ربيعة البصرة ، وكان مع علي أمير المؤمنين (ع) بصفّين ، ولمّا نافس شقيق بن ثور خالد بن معمر السّدوسي على راية ربيعة ـ وكانت مع خالد ـ ، اصطلحا على أنْ يولّياها الحضين ـ وكان يومئذ شاباً حدث السّن ـ ، فأقبل وهو غلام يزحف بها وكانت حمراء ، فأعجب علياً (ع) زحفه وثباته ، فقال :
لمَنْ رايةٌ حمراءُ يخْفقُ ظلُّها |
|
إذا قِيل قدِّمهَا حُضينُ تَقدَّما |
ويدنُو بها في الصَّفِّ حتّى يَديرها |
|
حِمامُ المنايا تَقطُر الموتَ والدَّما |
تراهُ إذا مَا كان يومُ عظيمةٍ |
|
أبَى فيهِ إلاّ عِزَّةً وتكرُّما |
جزى الله عني والجزاء بفضله |
|
ربيعة خيراً ما أعف وأكرما |
وأحزمَ صبْراً حِينَ تُدعَى إلى الوغَى |
|
إذا كانَ أصواتُ الكُماةِ تغمْغُما |
وكفى الحضين فخراً مدح علي (ع) له بهذا الشّعر ، وكفى قبيلة ربيعة فخراً مدح علي (ع) لها بما سمعت. وروي عن الحضين أنّه قال : أعطاني علي (ع) راية ربيعة ، وقال : «بسم الله سر يا حُضين ، واعلم أنّه لا يخفق على رأسك راية مثلها أبداً ؛ هذه راية رسول الله (ص)». وذكر المُبرّد في الكامل : إنّه لمّا فتح قتيبة بن مسلم سمرقند ، أفضى إلى أثاثٍ وآلات لم يُرَ مثلها ، فأراد أنْ يُري النّاس عظيم ما أنعم به الله عليه ، فأمر بدار ففُرشت ، وفي صحنها قدور يُرتقى إليها بالسّلالم ، فإذا بالحضين بن المنذر الرّقاشي قد أقبل ـ وهو شيخ كبير ـ والنّاس جلوس على مراتبهم ، فلمّا رآه عبد الله بن مسلم ـ أخو قتيبة ـ قال لقتيبة : ائذن لي في معاتبته. قال له : لا تفعل ؛ لأنّه
____________________
(١) بالضاد المعجمة ، وليس للعرب حُضين بالمعجمة غيره. ـ المؤلّف ـ