المجلس الخامس والثّلاثون بعد المئتين
روى الطّبرسي في الاحتجاج عن ثابت البناني ، قال : كنتُ حاجّاً وجماعة عبّاد البصرة ، فلمّا أنْ دخلنا مكّّة رأينا الماء ضيّقاً وقد اشتد بالنّاس العطش لقلّة الغيث ، ففزع إلينا أهل مكّة والحجّاج يسألوننا أنْ نستسقي لهم ، فأتينا الكعبة وطفنا بها ، ثمّ سألنا الله خاضعين متضرّعين بها ، فمنعنا الإجابة ، فبينا نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل ، قد أكبرته أحزانه وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشوطاً ثمّ أقبل علينا ، فقال : «يا مالك بن دينار ، ويا ثابت البناني ، ويا أيوب السّجستاني ، ويا صالح المُرّي ، ويا عُتبة الغلام ، ويا حبيب الفارسي ، ويا عمر ، ويا صالح ، ويا رابعة ، ويا سعدانة ، ويا جعفر بن سُليمان». فقلنا : لبّيك وسعديك يا فتى. فقال : «أما فيكم أحدٌ يُحبُّه الرَّحمن؟». فقلنا : يا فتى ، علينا الدُّعاء وعليه الإجابة. فقال : «ابعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحدٌ يُحبُّه الرّحمنُ ، لأجابه». ثمّ أتى الكعبة فخرَّ ساجداً ، فسمعته يقول في سجوده : «سيّدي ، بحبِّك إلاّ سقيتهم الغيث». قال : فما استتم الكلام حتّى أتاهم الغيث كأفواه القرب ، فقلت : يا فتى ، منْ أين علمت أنّه يُحبُّك؟ فقال : «لو لم يُحبني لم يستزرني ، فلمّا استزارني ، علمتُ أنّه يُحبُّني ، فسألتُه بحبِّه لي فأجابني». ثمّ ولّى عنّا ، وأنشأ يقول :
مَنْ عَرفَ الرَّبَّ فلمْ تُغنهِ |
|
معرفةُ الرَّبِّ فذاكَ الشَّقي |
ما ضرَّ ذا الطَّاعةِ ما نالهُ |
|
في طاعةِ اللهِ وماذا لقي |
ما يصنعُ العبدُ بغيرِ التُّقَى |
|
والعزُّ كلُّ العزِّ للمُتّقي |
فقلت : يا أهل مكّة ، مَن هذا الفتى؟ فقالوا : هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام. أقول : مثل هذا الإمام في علمه وفضله ، ومناقبه وكرامته ، وزُهده وعبادته واستجابة دعائه يُحمل أسيراً مغلولاً ، تارة إلى ابن مرجانة بالكوفة