المجلس السابع والثلاثون بعد المئتين
حجّ هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد ومعه رؤساء أهل الشّام ، فجهد أنْ يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام النّاس ، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى النّاس ، وأقبل علي بن الحسين عليهماالسلام ، وهو أحسن النّاس وجهاً وأنظفهم ثوباً وأطيبهم رائحة ، فطاف بالبيت ، فلمّا بلغ الحجر الأسود ، تنحَّى النّاس كلّهم وأخلوا له الحجر ليستلمه ؛ هيبة وإجلالاً له ، فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه ، فقال رجل لهشام : مَن هذا؟ أصلح الله الأمير. قال : لا أعرفه. وكان به عارفاً ؛ ولكنّه خاف أنْ يرغب فيه أهل الشّام ويسمعوا منه. فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ : أنا أعرفه ، فسلني يا شامي. قال : ومَن هو؟ قال :
هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ |
|
وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ |
هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ |
|
هَذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ |
هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِنْ كُنتَ جاهِلَهُ |
|
بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا |
وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ |
|
العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ |
إِذا رَأَتهُ قُرَيشٌ قالَ قائِلُها |
|
إِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ |
يَكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ راحَتِهِ |
|
رُكنَ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ |
اللَهُ شَرَّفَهُ قِدماً وَعَظَّمَهُ |
|
جَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ |
أَيُّ الخَلائِقِ لَيسَت في رِقابِهِمُ |
|
لأَوَّلِيَّةِ هَذا أَو لَهُ نِعَمُ |
مَنْ يَشكُرِ اللَهَ يَشكُر أَوَّلِيَّةَ ذا |
|
فَالدّينُ مِن بَيتِ هَذا نالَهُ الأُمَمُ |
يُنمى إِلى ذُروَةِ الدينِ الَّتي قَصُرَتْ |
|
عَنها الأَكُفُّ وَعَنْ إِدراكِها القَدَمُ |
مَن جَدُّهُ دانَ فَضلُ الأَنبِياءِ لَهُ |
|
وَفَضلُ أُمَّتِهِ دانَت لَهُ الأُمَمُ |
مُشتَقَّةٌ مِن رَسولِ اللَهِ نَبعَتُهُ |
|
طابتْ مغارسُهُ والخيمُ والشِّيمُ |