المجلس التاسع والثّلاثون بعد المئتين
قال ابن الأثير في تاريخه ، قال الشّافعي : بلغني أنّ عبد الملك بن مروان قال للحجّاج : ما من أحد إلاّ وهو عارف بعيوب نفسه ، فعب نفسك ولا تُخبّأ منها شيئاً. قال : يا أمير المؤمنين ، أنا لجوجٌ حقود. فقال له عبد الملك : إذاً بينك وبين إبليس نسب. فقال : إنّ الشّيطان إذا رآني سالمني. قال حبيب بن أبي ثابت : قال علي (ع): «لا تموتَ حتّى تُدرك فتى ثقيف». قيل له : يا أمير المؤمنين ، ما فتى ثقيف؟ قال : «ليُقالنَّ له يوم القيامة : أكفنا زاوية من زوايا جهنم. رجلٌ يملك عشرين أو بضعاً وعشرين سنة ، لا يدع لله معصية إلاّ ارتكبها ، حتّى لو لم تبقَ إلاّ معصيةٌ واحدةٌ وبينه وبينها بابٌ مغلق لكسره حتّى يرتكبها ، يقتل بمَن أطاعه مَن عصاه». وقيل : اُحصي مَن قتله الحجّاج صبراً بغير حرب ، فكانوا مئة ألف وعشرين ألفاً. قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كلّ اُمّة بخبيثها ، وجئنا بالحجّاج لغلبناهم. قال عاصم : سمعت الحجّاج يقول للناس : والله ، لو أمرتكم أنْ تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا ، حلّت لي دماؤكم ، ولا أجد أحداً يقرأ على قراءة ابن مسعود (وهو أحد القرّاء السّبعة من الصّحابة) إلاّ ضربت عنقه ، ولأحكّنّها من المصحف ولو بضلع خنزير. وقال ابن أبي الحديد : كان أهل النّسك والصّلاح والدّين يتقربون إلى الحجّاج ببغض علي (ع) ، وموالاة أعدائه ، حتّى أنّ إنساناً وقف للحجّاج ، وصاح : أيّها الأمير ، إنّ أهلي عقّوني فسمّوني عليّاً ، وإنّي فقير بائسٌ ، وأنا إلى صلة الأمير مُحتاج. فتضاحك له الحجّاج ، وقال : لَلطف ما توسّلت به ، قد ولّيتُك موضع كذا. مثل الحجّاج كان ابن زياد ؛ فإنّه بعد أنْ أفنى آل رسول الله (ص) قتلاً يوم كربلاء ، لم يرقّ قلبه لعلي بن الحسين عليهماالسلام (كفيل نساء آل محمَّد (ص) وبناته) حين اُدخلوا عليه بالكوفة حتّى أمر بقتله ، فقال : يا غلمان ، خذوه فاضربوا عنقه. فتعلّقت به عمّته زينب عليهاالسلام ، وذلك حين عُرض عليه علي بن الحسين عليهماالسلام ، فقال : مَن أنت؟ فقال : «عليُّ بن الحسين». فقال : أليس قد قتل الله عليَّ بن الحسين