المجلس الأربعون بعد المئتين
كان سعيد بن جُبير من خيار التّابعين الموالين لأهل البيت عليهمالسلام ، وكان يأتمّ بعليِّ بن الحسين زين العابدين (ع) ، وكان علي بن الحسين (ع) يُثنى عليه ؛ ولأجل ذلك قتله الحجّاج. قال ابن قتيبة في الإمامة والسّياسة وغيره : أرسل عبد الملك بن مروان خالد بن عبد الله القسري والياً على مكّة ، وكتب معه : قد برئت الذمّة من رجل آوى سعيد بن جُبير. وحلف خالدٌ : لا يجده في دار أحد إلاّ قتله وهدم داره ودور جيرانه. فأخبره رجل : أنّه مختفٍ في وادٍ من أودية مكّة ، فأرسل في طلبه ، فقال له الرسول : إنّما اُمرت بأخذك ، وأتيت لأذهب بك إليه ، وأعوذ بالله من ذلك ، فالحقْ بأي بلدٍ شئت وأنا معك. قال : يُؤخذ أهلُك وولدك. قال : فإنّي أكلهم إلى الله. قال سعيد : لا يكون هذا. فأتى به إلى خالد ، فشدّه وثاقاً وأرسله إلى الحجّاج ، فقيل له : إنّ الحجّاج كان قد شعر به فأعرض عنه ، فلو تركته لكان أزكى من كلِّ عمل. فقال : والله ، لو علمت أنّ عبد الملك لا يرضى عنّي إلاّ بنقض الكعبة حجراً حجراً ، لنقضتُها. فلمّا قدم على الحجّاج ، قال : ما اسمك؟ قال : سعيد. قال : ابنُ مَن؟ قال : ابنُ جبير. قال : بل أنت شقيُّ بن كسير. قال : اُمّي أعلم باسمي. قال : شُقيتَ وشُقيت اُمّك. قال : الغيب يعلمه غيرُك. قال : لأوردنّك حياض الموت. قال : أصابت إذاً اُمّي اسمي. قال : لأبدلنّك بالدُّنيا ناراً تلظّى. قال : لو أعلم أنّ ذلك بيدك لاتخذتُك إلهاً. قال : فما قولك في محمَّد؟ قال : نبيُّ الرّحمة. قال : فما قولك في الخلفاء؟ قال : لستُ عليهم بوكيل. قال : أيّهم أعجب أليك؟ قال : أرضاهم لخالقه. قال : فأيّهم أرضاهم لخالقه؟ قال : علمُ ذلك عند مَن يعلم سرَّهم ونجواهم. قال : فما قولك في عليٍّ ، أفي الجنة هو أم في النّار؟ قال : لو دخلتُ الجنَّة فرأيتُ أهلَها علمتُ مَن فيها ، ولو دخلتُ النّار فرأيتُ أهلَها علمتُ مَن فيها. قال : فأيّ رجل أنا يوم القيامة؟ قال : أنا أهون على الله من أنْ يُطلعني على الغيب. قال : أبيت أنْ تصدقني؟ قال : بل لم أرد أنْ اُكذبك. قال : مالك لم