المجلس الثاني والأربعون بعد المئتين
كان زيد بن علي بن الحسين عليهمالسلام عين أخوته بعد أخيه أبي جعفر الباقر (ع) وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً ، سخياً شجاعاً ، وظهر بالسّيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات الحسين (ع). وكان سبب خروجه ، مُضافاً إلى طلبه بدم الحسين (ع) ، أنّه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع له هشام أهل الشّام ، وأمر أنْ يتضايقوا في المجلس حتّى لا يتمكّن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد : إنّه ليس من عباد الله أحد فوق أنْ يُوصى بتقوى الله ، ولا من عباده أحد دون أنْ يوصي بتقوى الله ، وأنا اُوصيك بتقوى الله فاتّقه. فقال له هشام : ما فعل أخوك البقرة؟ فقال : سمّاه رسول الله (ص) باقر العلم وأنت تُسمِّيه بقرة! لشدَّ ما اختلفتما في الدُّنيا ، ولتختلفان في الآخرة. فقال له هشام : أنت المُؤهِّل نفسك للخلافة ، الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا اُمَّ لك؟! وإنّما أنت ابن أمة. فقال له يزيد : إنّي لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبيٍّ بعثه وهو ابن أمة ، فلو كان ذلك يقصر عن مُنتهى غايةٍ لم يُبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام ، فالنّبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ وبعد : فما يقصر برجل أبوه رسول الله (ص) وهو ابن عليٍّ بن أبي طالب (ع) فوثب هشام من مجلسه ودعا قهرمانه ، وقال : لا يبيتنَّ هذا في عسكري. فخرج زيد وهو يقول : إنّه لم يكره قومٌ قطّ حدَّ السّيوف إلاّ ذلّوا. فحُملت كلمتُه إلى هشام فعرف أنّه يخرج عليه ، فأرسل معه مَن يُخرجه على طريق الحجاز ، ولا يدعه يخرج على طريق العراق. فلمّا رجع عنه المُوكّلون به ـ بعد أنْ أوصلوه إلى طريق الحجاز ـ رجع إلى العراق حتّى أتى الكوفة ، وأقبلت الشّيعة تختلف إليه وهم يُبايعونه حتّى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة ، سوى أهل المدائن والبصرة ، وواسط والموصل ، وخراسان والرّي ، وجرجان والجزيرة ، فحاربه يوسف بن عمر الثقفي ، فلمّا قامت