المجلس الثامن والأربعون بعد المئتين
روى المفيد في الإرشاد ، والصّدوق في العيون عن ياسر الخادم : إنّ المأمون كتب إلى الرضا (ع) يستدعيه ويستقدمه إلى خراسان ، فاعتلّ عليه بعلل كثيرة ، فما زال المأمون يكاتبه ويسأله حتّى علم الرضا (ع) أنّه لا يكفّ عنه ، فخرج فلمّا وصل إلى مرو ، عرض عليه المأمون أنْ يتقلّد الخلافة ، فأبى ذلك ، فقال المأمون : فولاية العهد. فأجابه إلى ذلك على شروط ، فكتب الرضا (ع) : «إنّي أدخل في ولاية العهد ، على أنْ لا آمر ولا أنهى ، ولا أقضي ولا اُغيّر شيئاً ممّا هو قائم». فأجابه المأمون إلى ذلك ، ودعا المأمون القضاة والقوّاد ، والشّاكرية وبني العبّاس إلى ذلك ، فأ ضربوا عليه ، فأخرج أموالاً كثيرة وأعطى القوّاد وأرضاهم ، إلاّ ثلاثة نفر أبوا ذلك فحبسهم. وبويع الرضا (ع) وكتب بذلك إلى البلدان ، وضُربت الدنانير والدراهم باسمه ، وخُطب له على المنابر ، وأنفق المأمون على ذلك أموالاً كثيرة. فلمّا حضر العيد ، بعث المأمون إلى الرضا (ع) يسأله أنْ يركب ويحضر العيد لتطمئنَّ قلوبُ النّاس ، ويعرفوا فضله ، وتقرّ قلوبهم على هذه الدولة المباركة ، فبعث إليه الرضا (ع) : «قد علمتَ ما كان بيني وبينك من الشّروط في دخولي في هذا الأمر». فقال المأمون : إنّما اُريد أنْ يرسخ في قلوب النّاس هذا الأمر ؛ فيقرّوا بما فضّلك الله تعالى به. فلمّا ألحّ عليه ، قال : «إنْ أعفيتني من ذلك فهو أحبُّ إلي ، وإنْ لم تعفني خرجتُ كما كان يخرج رسول الله (ص) ، وكما كان يخرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)». فقال المأمون : اخرج كما تُحب. وأمر المأمون القوّاد والنّاس أنْ يُبكّروا إلى باب الرضا (ع) ، فعدّ النّاس لأبي الحسن الرضا (ع) في الطّرقات والسّطوح من الرجال والنّساء والصّبيان ، واجتمع القوّاد على باب الرضا (ع) ، فلمّا طلعت الشّمس قام الرضا (ع) فاغتسل وتعمّم بعمامةٍ بيضاء من قطن ، وألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه وتشمّر ، ثمّ قال لجميع مواليه : «افعلوا مثلما فعلت». فأخذ بيده عكّازه وخرج ونحن بين يديه ، وهو حافٍ قد شمّر سراويله إلى نصف السّاق