المجلس الخمسون بعد المئتين
روى المفيد رحمه الله في الإرشاد بسنده : أنّه لمّا أراد المأمون أنْ يُزوّج ابنته اُمّ الفضل أبا جعفر محمَّد بن علي الجواد (ع) ، بلغ ذلك العباسيّين فعظم عليهم ، وخافوا أنْ ينتهي الأمر إلى ما انتهى إليه مع أبيه الرضا (ع) ، فاجتمع أهل بيته الأدنون وناشدوه الله أنْ يصرف نفسه عن تزويج ابن الرضا ، وقالوا : نخاف أنْ تُخرج به عنّا أمراً قد ملّكنا الله إيّاه ؛ فقد عرفت ما كان بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء قبلك من تبعيدهم ، وقد كنّا في خوف من عملك مع الرضا حتّى كفانا الله المهم من ذلك ، فاصرف رأيك عن ابن الرضا ، وأعدل إلى مَن تراه من أهل بيتك يصلح لذلك. فقال : أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب ، فأنتم السّبب فيه ؛ وأمّا ما كان يفعله مَن كان قبلي بهم ، فقد كان به قاطعاً للرحم ، وأعوذ بالله من ذلك ؛ وأمّا أبو جعفر محمَّد بن علي فقد اخترتُه لتقدّمه على كافّة أهل العلم مع صُغر سنّه ، والاُعجوبة فيه بذلك. فقالوا : إنّه وإنْ راقك منه هديه ، فإنّه صبيٌّ لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدَّب ويتفقّه. فقال : إنّي أعرف به منكم ، وإنّ هذا من أهل بيت علْمُهم من الله ، فإنْ شئتم فامتحنوه. فأجمع رأيهم أنْ يطلبوا من يحيى بن أكثم ـ وهو يومئذٍ قاضي القُضاة ـ أنْ يسأله مسألةً لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموال نفيسة. فحضر يحيى بن أكثم ، وأمر المأمون أنْ يُفرش لأبي جعفر دست ويُجعل له فيه مسوّرتان (أي : وسادتان) ، ففُعل ذلك ، وخرج أبو جعفر ـ وهو يومئذ ابن سبع سنين وأشهر ـ فجلس بين المسوّرتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه ، وقام النّاس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر ، فقال يحيى للمأمون : أتأذن لي أنْ أسال أبا جعفر؟ قال : استأذنه في ذلك. فقال : أتأذن لي ـ جُعلت فداك ـ في مسألة؟ قال (ع) : «سلْ إنْ شئت». قال : ما تقول ـ جعلني الله فداك ـ في مُحرِمٍ قتلَ صيداً؟ فقال أبو جعفر (ع) : «قتله في حلٍّ أمْ حَرَمْ؟ عالماً