المجلس الحادي والخمسون بعد المئتين
في مروج الذهب للمسعودي ، قال : سُعي إلى المتوكّل بعليِّ بن محمَّد الجواد عليهماالسلام : إنّ في منزله كُتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنّه عازم على الوثوب بالدولة. فبعث إليه جماعة من الأتراك ، فهجموا على داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ، ووجدوه في بيت مُغلق عليه وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرَّمل والحصى ، وهو متوجهٌ إلى الله يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد. فحُمل على حاله تلك إلى المتوكّل ، وقالوا للمتوكّل : لم نجد في بيته شيئاً ، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة. وكان المتوكّل جالساً في مجلس الشّراب ، فاُدخل عليه والكأس في يد المتوكّل ، فلمّا رآه هابه وأعظمه ، وأجلسه إلى جانبه ، وقال له : أنشدني شعراً. فقال (ع) : «إنّي قليلُ الرّواية للشعر». فقال : لا بُدَّ من ذلك. فأنشده (ع) يقول :
باتُوا على قُلَلِ الأجبالِ تحرسُهُمْ |
|
غُلبُ الرِّجالِ فما أغنتهُمُ القُلَلُ |
واستَنْزَلوا بعد عزٍّ منْ معاقلِهمْ |
|
واُسكنوا حُفراً يا بئسَ ما نَزلوا |
ناداهُمُ صارخٌ منْ بعدِ دَفنِهمُ |
|
أينَ الأسرَّةُ والتِّيجانُ والحُلَلُ |
أينَ الوجوهُ الّتي كانتْ مُنعَّمةً |
|
منْ دونِها تُضرب الأستارُ والكلَلُ |
فأفصحَ القبرُ عنهُمْ حينَ ساءَلهُمْ |
|
تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يقتتلُ |
قدْ طالَما أكلُوا دهراً وما شَربوا |
|
فأصبحوا بعدَ طُولِ الأكلِ قدْ اُكلُوا |
قال : فبكى المتوكّل حتّى بلّت دموعه لحيته ، وبكى الحاضرون ، وأمر برفع الشّراب ثمّ ردّه إلى منزله مُكرَّماً. هذا إمام قد اُدخل إلى مجلس الشّراب ، وهو علي الهادي (ع) ، واُدخل إمام آخر إلى مجلس الشّراب ، وهو جدُّه علي بن الحسين زين العابدين (ع) ، ولكن شتّان ما بين الدّخولين ؛ أمّا علي الهادي (ع) فاُدخل على المتوكّل وحده ولم