المجلس الرّابع والخمسون بعد المئتين
كان بنو حمدان من الشّيعة ، وكانوا كما قال في (يتيمة الدّهر) : ملوكاً واُمراء ، وجوههم للصباحة وألسّنتهم للفصاحة ، وأيديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة ، منهم سيف الدولة ، ومنهم أبو فراس الذي قال في حقّه الصّاحب بن عباد : بدأ الشّعر بملك وخُتم بملك (يعني : امرأ القيس وأبا فراس). وكان في عصره رجل شاعر من بني العبّاس يُقال له محمَّد بن سكرة الهاشمي ، فقال قصيدة يفتخر بها على الطالبيّين ، فلمّا وقف عليها أبو فراس ، قال يردّ عليه ويذكر مناقب الطالبيّين ومثالب العباسيّين بهذه القصيدة :
الدِّينُ مُختَرَمٌ وَالحَقُّ مُهتَضَمُ |
|
وَفَيءُ آلِ رَسولِ اللَهِ مُقتَسَمُ |
يا لِلرِجالِ أَما لِلَّهِ مُنتَصِرٌ |
|
مِنَ الطُّغاةِ أَما لِلدِّينِ مُنتَقِمُ |
بَنو عَلِيٍّ رَعايا في دِيارِهِمُ |
|
وَالأَمرُ تَملِكُهُ النِّسوانُ وَالخَدَمُ |
مُحلَّؤونَ فَأَصفى شُربِهِم وَشَلٌ |
|
عِندَ الوُرودِ وَأَوفى وُردَهِم لَمَمُ |
فَالأَرضُ إِلاّ عَلى مُلاّكِها سَعَةٌ |
|
وَالمالُ إِلاّ عَلى أَربابِهِ دِيَمُ |
لِلمُتَّقينَ مِنَ الدُّنيا عَواقِبِها |
|
وَإِن تَعَجَّلَ فيها الظالِمُ الأَثِمُ |
لايُطغِيَنَّ بَني العَبّاسِ مُلكُهُمُ |
|
بَنو عَلِيٍّ مَواليهِم وَإِن زَعَموا |
أَتَفخَرونَ عَلَيهِم لا أَباً لَكُمُ |
|
حَتّى كَأَنَّ رَسولَ اللَهِ جَدُّكُمُ |
وَما تَوازَنَ يَوماً بَينَكُم شَرَفٌ |
|
وَلا تَساوَتْ بِكُمْ في مَوطِنٍ قَدَمُ |
لَيسَ الرَشيدُ كَموسى في القِياسِ وَلا |
|
مَأمونَكُم كَالرِّضا إِنْ أَنصَفَ الحَكمُ |
قامَ النَّبِيُّ بِها يَومَ الغَديرِ لَهُمْ |
|
وَاللَهُ يَشهَدُ وَالأَملاكُ وَالأُمَمُ |
حَتّى إِذا أَصبَحَت في غَيرِ صاحِبِها |
|
باتَت تَنازَعُها الذُؤبانُ وَالرَّخَمُ |
وَصُيِّرَت بَينَهُم شورى كَأَنَّهُمُ |
|
لا يَعلمونَ وُلاةُ الأمرِ أَينهُمُ |
تَاللَهِ ما جَهِلَ الأَقوامُ مَوضِعَها |
|
لَكِنَّهُم سَتَروا وَجهَ الَّذي عَلِموا |