المجلس السادس والخمسون بعد المئتين
إنّ فضيلة العلم وارتفاع درجته أمرٌ كفى انتظامه في سلك الضّرورة مؤنة الاهتمام ببيانه ؛ وما يورد في فضله إنّما هو لتحريك النّفوس وتنبيه الغافل ، ويدلُّ على فضل العلم بعد الضّرورة عند جميع العقلاء ، قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). افتتح كلامه المجيد بذكر نعمة الإيجاد وأتبعه بذكر نعمة العِلم ، فلو كان بعد نعمة الإيجاد نعمة أعلى من العلم لكانت أجدر بالذّكر ، وقوله : (وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ). يدلّ على أنّه سبحانه اُختص بوصف الأكرميّة ، وقوله : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ...) إلى آخره ، يدلّ على أنّ اختصاصه بوصف الأكرميّة ؛ لأنّه علّم الإنسان العِلم ، وكفى بذلك دليلاً على فضل العِلم. وقال تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ). فقرن العلماء بنفسه وملائكته : (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) والآيات الدالّة على فضل العلم كثيرة جداً. وقال رسول الله (ص) : «طلبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ ومُسلمة». «اطلبوا العلمَ ولو بالصّين». «فضلُ العالِمِ على العابد كفضلِ القمرِ على سائر النّجوم ليلة البدر». «فضلُ العالِمِ على العابد كفضلي على أدناكم». «نومُ العالِمِ أفضلُ من عبادة العابد». «نومٌ مع علمٍ خيرٌ من صلاة مع جهل». «ساعةُ العالِم يتَّكئ على فراشه ينظرُ في علمٍ خيرٌ من عبادة سبعين سنة». «فقيهٌ واحد أشدُّ على الشّيطان من ألف عابد». وقال الباقر (ع) : «عالمٌ يُنتفع بعلمه أفضلُ من سبعين ألف عابد». وقال أيضاً : «العالمُ كمَن معه شمعة تُضيء للنّاس ، فكلّ مَن أبصر بشمعته دعا له بخير». وكذلك : «العالمُ معه شمعة ، يزيل بها ظلمة الجهل والحيرة». وقال الصّادق (ع) : «عُلماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم من الخروج على