المجلس الستّون بعد المئتين
الحسد من الصّفات الذّميمة ، وهو أيضاً من الذّنوب الكبيرة ، والحسد : هو التّألم من وجود نعمة على الغير أو صفة كمال فيه ، وتمنّي زوالها. وهو مذموم في الكتاب العزيز والسّنّة المُطهّرة ، قال تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ) وأمر الله تعالى نبيّه أنْ يستعيذ من شرّ الحاسد بقوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) وقال النّبيُّ (ص) : «إيّاكم والحسد ؛ فإنّه يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب». والحسد أساس كلّ شر ومنبع كلّ بلاء ؛ حسد إبليس آدم حين أمر الله تعالى الملائكة بالسّجود تعظيماً لآدم (ع) ، فحمل الحسد إبليس على التّكبر عن السجود لآدم ، فكان ذلك سبباً لسخط الله تعالى على إبليس ولعنه الدّائم ، وتسلّطه على بني آدم ، وسبباً لأكل آدم وحواء من الشّجرة بوسوسة إبليس ، وخروجهما من الجنّة. والحسد أوّل معصية وقعت على وجه الأرض ، حسد قابيل أخاه هابيل ؛ لأنّ الله تعالى قبل قربان هابيل ولم يقبل قربانه ، والحسد هو الذي كان سبب إلقاء إخوة يوسف أخاهم يوسف في الجبّ وإرادة هلاكه. (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) والحسد هو الذي كان السّبب في إنكار اليهود نبوّة محمَّد (ص) ، وكانوا عرفوا صفته في كتبهم ، حكاه الله تعالى عنهم بقوله : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) كانوا يقولون لمُشركي قريش : هذا نبيّ قد أطلّ زمانه ، سيُبعث ونؤمن به فينصرنا عليكم. فلمّا ظهر أنكروه حسداً ؛ لأنّه من غيرهم وهم يريدونه منهم ، وقالوا : ليس هذا الذي كُنّا نخبركم به. وهم يعتقدون أنّه هو. والحسد هو الذي دعا