المجلس التاسع والعشرون
لمّا جاء ابن زياد إلى الكوفة وتهدد النّاس وتوعّدهم ، خاف هاني على نفسه من ابن زياد فانقطع عنه وتمارض ، فسأل عنه ابن زياد جلساءه ، فقيل : إنّه مريض. فقال : لو علمت بمرضه لعدته. ودعا بجماعة فقال لهم : ما يمنع هاني من اتياننا؟ قالوا : ما ندري ، وقد قيل إنّه مريض. قال : بلغني أنّه قد برئ ، فألقوه ومروه أنْ لا يدع ما عليه من حقّنا. فأتوا إلى هاني وأخبروه أنّ ابن زياد قد سأل عنه ، وأقسموا عليه أنْ يذهب معهم. فلبس هاني ثيابه وركب بغلته وأقبل معهم ، فلمّا رآه ابن زياد ، قال : أتتك بخائن رجلاه تسعى. ثمّ قال : إيه يا هاني ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك ، وجمعت له الجموع والسّلاح في الدور حولك ، وظننت أنّ ذلك يخفى عليّ. فأنكر هاني ذلك ، فدعا ابن زياد معقلاً ، فلمّا رآه هاني أسقط في يده ساعة (أي : بُهت وتحيّر) ثمّ راجعته نفسه ، وجعل يعتذر إلى ابن زياد بأنّه ما دعا مسلماً إلى داره لكن جاءه يطلب منه النّزول فاستحيا من ردّه ، وقال : إنْ شئت أنْ أنطلق إليه فآمره أنْ يخرج من داري. فقال له ابن زياد : والله ، لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به. قال : لا والله ، لا أجيئك به أبداً ، أجيئك بضيفي تقتله؟! فلمّا كثر الكلام بينهما ، قام مسلم بن عمرو الباهلي فخلا بهاني وجعل يناشده أنْ يدفع مسلم بن عقيل إلى ابن زياد ويقول : إنّه ابن عمّ القوم وليسوا بقاتليه ولا ضائريه ، وليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ؛ إنّما تدفعه إلى السّلطان. فقال هاني : إنّ عليّ في ذلك الخزي والعار أنْ أدفع جاري وضيفي وأنا حيّ صحيح شديد السّاعدين كثير الأعوان. والله ، لو لم يكن لي ناصر لم أدفعه حتّى أموت دونه. فسمع ابن زياد ذلك فقال : ادنوه مني. فأدنوه منه ، فقال : والله ، لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك. فقال هاني : إذاً والله ، تكثر البارقة (يعني السّيوف) حول دارك. فقال ابن زياد : وآ لهفاه عليك! أبالبارقة تخوفني؟! ـ وهاني يظنّ أنّ عشيرته سيمنعونه ـ ثمّ قال : ادنوه منّي. فاُدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ، ونثر لحم جبينه وخدّه على لحيته حتّى