المجلس الثاني والثلاثون
لمّا قُتل ابن عقيل ، قام محمّد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلّمه في هاني بن عروة ـ وكان محمّد بن الأشعث وأسماء بن خارجة هما اللذان أتيا بهاني إلى ابن زياد وقالا له : أنّه قد ذكرك ، وأقسما عليه أنْ يركب معهما ، ولمْ يكن أسماء يعلم بشيء ممّا كان ، وكان ابن الأشعث عالماً به ـ فقال ابن الأشعث لابن زياد : إنّك قد عرفت منزلة هاني في المصر وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه أنّي وصاحبي أتينا به إليك ، وأنشدك الله لما وهبته لي ، فإنّي أكره عداوة المصر وأهله. فوعده أنْ يفعل ، ثمّ بدا له وأمر بهاني في الحال فقال : اخرجوه إلى السّوق فاضربوا عنقه. فاُتي به إلى مكان من السّوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يقول : وآ مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم. يا مذحجاه! أين مذحج؟ فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره ، جذب يده فنزعها من الكتف ثمّ قال : أما من عصا أو سكّين أو حجارة أو عظم يحاجز بها رجل عن نفسه؟ ووثبوا إليه فشدّوه وثاقاً ثمّ قيل له : امدد عنقك. فقال : ما أنا بها سخي ، وما أنا بمعينكم على نفسي. فضربه مولى لعبيد الله اسمه رشيد ، فلم يصنع شيئاً ، فقال له هاني : إلى الله المعاد ، اللهمَّ إلى رحمتك ورضوانك. ثمّ ضربه اُخرى فقتله. وأمر ابن زياد بجثّتي مسلم وهاني فصلبتا في الكناسة (١) وبعث برأسيهما إلى يزيد بن معاوية. قال سبط ابن الجوزي : كان رأس مسلم أول رأس حمل من رؤوس بني هاشم ، وجثّته أول جثّة صُلبت.
فإنْ كنتِ ما تدرينَ ما الموتُ فانظُري |
|
إلى هانئٍ في السّوق وابنِ عقيلِ |
إلى بطلٍ قدْ هشَّمَ السّيفُ وجهَهُ |
|
وآخرَ يَهوي منْ طمارِ قتيلِ |
أصابهُما فرخُ البغيِّ فأصبحَا |
|
أحاديثَ مَن يسري بكلِّ سبيلِ |
______________________
(١) موضع بالكوفة ، يظهر أنّه كان محلّ اجتماع النّاس. ـ المؤلّف ـ