المجلس الثالث والثلاثون
لمّا قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة رضوان الله عليهما ، أمر ابن زياد كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب إلى يزيد ما كان من أمر مسلم وهاني ، فكتب الكاتب فأطال ـ وكان أول مَن أطال في الكتب ـ فلمّا نظر فيه عبيد الله ، كرهه وقال : ما هذا التطويل؟ وما هذا الفضول؟ اكتب : أمّا بعد ، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين حقّه وكفاه مؤونة عدوّه. أخبر أمير المؤمنين أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هاني بن عروة المرادي ، وإنّي جعلت عليهما المراصد والعيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتّى أخرجتهما وأمكن الله منهما ، فقدّمتهما وضربت أعناقهما ، وقد بعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حيّة الوداعي والزبير بن الأروح التميمي وهما من أهل السّمع والطاعة والنّصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحب من أمرهما ؛ فإنّ عندهما علماً وصدقاً وورعاً ، والسّلام. فكتب إليه يزيد : أمّا بعد ، فإنّك لمْ تعد إنْ كنت كما اُحب ، عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، وقد أغنيت وكفيت ، وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسولَيك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيراً ، وأنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد توجّه إلى العراق ، فضع المناظر والمسالح واحترس ، واحبس على الظنّة واقتل على التهمة ، واكتب إليّ فيما يحدث من خير إنْ شاء الله. ولمّا بلغ الحسين (ع) مقتل مسلم وهاني ، قال : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما» ، يردّد ذلك مراراً. ولقيه الفرزدق الشاعر فسلّم عليه وقال : يابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته؟! فاستعبر الحسين (ع) ثمّ قال : «رحم الله مسلماً ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه ، وتحيّاته ورضوانه ، أما أنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا» ، ثمّ أنشأ يقول :
فإنْ تكُنْ الدُّنيا تُعدُّ نفيسةً |
|
فإنّ ثوابَ اللهِ أعلى وأنبلُ |