المجلس السّادس والثلاثون
لمّا سار الحسين (ع) من الحاجر ، انتهى إلى ماء من مياه العرب ، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به ، فلمّا رأى الحسين (ع) ، قام إليه فقال : بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله ، ما أقدمك؟ واحتمله فأنزله ، فقال له الحسين (ع) : «كان من موت معاوية ما قد بلغك ، فكتب إليّ أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم». فقال له عبد الله : اُذكّرك الله يابن رسول الله وحرمة الإسلام أنْ تنتهك ، أنشدك الله في حرمة قريش ، أنشدك الله في حرمة العرب. فوالله ، لئن طلبت ما في أيدي بني اُميّة ليقتلنّك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحداً أبداً. والله ، إنّها لحرمة الإسلام تنتهك ، وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني اُميّة.
وكان زهير بن القَين البجلي قد حجّ في تلك السّنة من الكوفة ـ وكان عثمانياً ـ فلمّا رجع من الحجّ ، جمعه الطريق مع الحسين (ع). فحدّث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا : كنّا مع زهير بن القَين حين أقبلنا من مكّة فكنّا نساير الحسين (ع) ، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أنْ نسير معه في مكان واحد أو ننزل معه في منزل واحد ، فإذا سار الحسين تخلّف زهير بن القَين ، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير. فنزلنا يوماً في منزل لم نجد بدّاً من أنْ ننزل معه فيه ، فنزل هو في جانب ونزلنا في جانب آخر ، فبينا نحن جلوس نتغدّى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين (ع) حتّى سلّم ثمّ دخل ، فقال : يا زهير ، إنّ أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه. فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده كأنّ على رؤوسنا الطير ؛ كراهيّة أنْ يذهب زهير إلى الحسين (ع) ، فقالت له امرأته ـ وهي دلهم بنت عمرو ـ : سبحان الله! أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! فلو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت. فأتاه زهير على كره ، فما لبث أنْ جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ورحله فحوّل إلى الحسين (ع) ، ثمّ قال لامرأته : أنت طالق ، الحقي بأهلك فإنّي