المجلس السّابع والثلاثون
روى عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديّان قالا : لمّا قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين (ع) لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقناه بـ (زرود) ، فلمّا دنونا منه ، إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين (ع) ، فوقف الحسين (ع) كأنّه يريده ثمّ تركه ومضى ، ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإنّ عنده خبر الكوفة. فمضينا إليه فقلنا : السّلام عليكم. فقال : وعليكما السّلام. قلنا : ممَّن الرجل؟ قال : أسدي. قلنا له : ونحن أسديّان ، فمَن أنت؟ قال : أنا بكر بن فلان ، وانتسبنا له ، ثمّ قلنا : أخبرنا عن النّاس من ورائك. قال : لم أخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، ورأيتهما يُجرّان بأرجلهما في السّوق. فاقبلنا حتّى لحقنا الحسين (ع) فسايرناه حتّى نزل الثعلبيّة ممسياً ، فجئنا حين نزل فسلّمنا عليه ، فردّ علينا السّلام ، فقلنا : رحمك الله ، إنّ عندنا خبراً إنْ شئت حدّثناك علانية وإنْ شئت سرّاً. فنظر إلينا وإلى أصحابه ثمّ قال (ع) : «ما دون هؤلاء سرّ». فقلنا له : رأيتَ الراكب الذي استقبلته عشيّة أمس؟ قال (ع) : «نعم ، وقد أردتُ مسألته». فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل ، وإنّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم وهاني ، ورآهما يُجرّان في السّوق بأرجلهما. فقال (ع) : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما». يردّد ذلك مراراً. فقلنا له : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا ، فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوّف أنْ يكونوا عليك. فنظر (ع) إلى بني عقيل فقال : «ما ترون؟ فقد قُتل مسلم». فقالوا : والله ، لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق. فأقبل علينا الحسين (ع) وقال : «لا خير في العيش بعد هؤلاء». فعلمنا أنّه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا له : خار الله لك. فقال (ع) : «رحمكما الله». فقال له أصحابه : إنّك والله ما أنت مثل مسلم ، ولو قدمت الكوفة لكان النّاس إليك أسرع. فسكت ، وارتجّ الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل ، وسالت