المجلس الخامس والأربعون
لمّا ضيّق القوم على الحسين (ع) حتّى نال منه العطش ومن أصحابه ، قال له برير بن خضير الهمداني : يابن رسول الله ، أتأذن لي أنْ أخرج إلى القوم؟ فأذن له فخرج إليهم ، فقال : يا معشر النّاس ، إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً بالحقّ بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السّواد وكلابه ، وقد حيل بينه وبين ابنه. فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، والله ، ليعطش الحسين كما عطش مَن كان قبله. فقال الحسين (ع) : «اقعد يا برير». ثمّ وثب الحسين (ع) متوكّئاً على قائم سيفه ، ونادى بأعلى صوته فقال : «اُنشدكم الله ، هل تعرفونني؟». قالوا : نعم ، أنت ابن رسول الله (ص) وسبطه. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جدّي رسول الله (ص)؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ اُمّي فاطمة بنت محمّد (ص)؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ أبي علي بن أبي طالب (ع)؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الاُمّة إسلاماً؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ الطيّار في الجنّة عمّي؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «فاُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله (ص) أنا متقلّده؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «اُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ عليّاً أول القوم إسلاماً وأعلمهم علماً وأعظمهم حلماً ، وأنّه وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟». قالوا : اللهمَّ نعم. قال : «فبِمَ تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، يذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الصاد (١) عن الماء ، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة؟!». قالوا : علمنا ذلك كلّه ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً
______________________
(١) قال الزمخشري في الفائق : قال النبي (ص) لعلي (ع) : «أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه