وفي المسألة الثانية ، أعني المثل ، يعتمد الفارابي أيضاً علي كتاب الربوبية ليثبت ان ارسطو ـ صاحب الكتاب خطأ ـ يقول بالمثل الافلاطونية. يقول في ذلك : «وقد نجد ان ارسطو في كتابه في الربوبية المعروف باثالوجيا يثبت الصور الروحانية ويصرح انها موجودة في عالم الربوبية».
وعندما يصل الي هذه النقطة يبدو انه يستيقظ من غفوته فيشك في نسبة هذه الاقوال الي ارسطو ، ويضع احتمالاً هو ان تكون منحولة ويقول : «فلا تنحلوا هذه الاقاويل ، اذا اخذت علي ظاهرها ، من احدي ثلاث حالات : اما ان يكون بعضها مناقض بعضها ، واما ان يكون بعضها لارسطو وبعضها ليس له ، واما ان يكون لها معان وتأويلات تتفق بواطنها وان اختلفت ظاهرها ، فتتطابق عند ذلك وتتفق ، فاما ان يظن بارسطو ، مع براعته وشدة يقظته وجلالة هذه المعاني عنده ـ اعني الصور الروحانية ـ انه يناقض نفسه في علم واحد ، وهو العلم الربوبي ، فبعيد ومستنكر ، واما ان بعضها لأرسطو وبعضها ليس له ، فهو ابعد جداً ، إذ الكتب الناطقة بتلك الاقاويل اشهر من أن يظن ببعضها انه منحول ، فبقي ان يكون لها تأويلات ومعانٍ ، إذا كشف عنها ارتفع الشك والحيرة».
بيد ان هذه اليقظة جاءت عارضة ، فما لبث الفارابي ان اغمض عينيه من جديد واستسلم لغفوته التي رانت عليه حتي نهاية الكتاب.
والسبب الثالث لغلطة ابي نصر هو تأثره بالمدرسة الأفلاطونية