الامور المدنية (١) والخلقية والمنطقية؛ اردت ، في مقالتي هذه ، ان اشرع في الجمع بين رأييهما ، والابانة عمّا يدلّ عليه فحوى قوليهما ، ليظهر الاتّفاق بين ما كانا يعتقدانه ، ويزول الشك والإرتياب عن قلوب الناظرين في كتبهما ، وأبين مواضع الظنون ومداخل الشكوك في مقالاتهما ، لان ذلك من اهمّ ما يقصد بيانه ، وانفع ما يراد شرحه وايضاحه.
اذ الفلسفة ، حدها وماهيتها ، انها العلم بالموجودات بما هي موجودة (٢). وكان هذان الحكيمان هما مبدعان للفلسفة ، ومنشئان لأوائلها واصولها ، ومتممان لأواخرها وفروعها ، وعليهما المعوّل في قليلها وكثيرها ، واليهما المرجع في يسيرها وخطيرها. وما يصدر عنهما في كل فنّ انما هو الاصل المعتمد عليه ، لخلوّه من الشوائب والكدر ، بذلك نطقت الألسن ، وشهدت العقول؛ ان لم يكن من الكافّة فمن الاكثرين من ذوي الالباب الناصعة والعقول الصافية. ولما كان القول والاعتقاد انما يكون صادقا متى كان للموجود المعبّر عنه
__________________
(١) المدنية : السياسة. العلم المدني هو العلم الذي يبحث في تدبير شؤون المدينة أو سياستها.
(٢) حد الفلسفة وماهيتها : سيوضح الفارابي هذا التحديد في الفقرة الرابعة : الحد بين ذات المحدود ويدل علي ماهيته. الماهية هي التصور الذي في ذهننا عن الشيء.