غير انه ، لما وجد افلاطون قد احكمها ، وبيّنها ، واتقنها ، واوضحها ، اهتمّ ارسطاطاليس باحتمال الكدّ واعمال الجهد في انشاء طريق القياس؛ وشرع في بيانه وتهذيبه ، ليستعمل القياس والبرهان في جزء جزء مما توجبه القسمة ، ليكون كالتابع والمتمّم والمساعد والناصح. ومن تدرب في علم المنطق ، واحكم علم الآداب الخلقية ، ثم شرع في الطبيعيات والالهيات ، ودرس كتب هذين الحكيمين ، يتبيّن له مصداق ما اقوله ، حيث يجدهما قد قصدا تدوين العلوم بموجودات العالم ، واجتهدا في ايضاح احوالها على ما هي عليه ، من غير قصد منهما لاختراع ، واغراب ، وابداع ، وزخرفة ، وتشويق ؛ بل لتوفية كل منهما قسطه ونصيبه ، بحسب الوسع والطاقة (١). واذا كان ذلك كذلك ، فالحد الذي قيل في الفلسفة ، انها العلم بالموجودات بما هي موجودة ، حد صحيح ، يبين عن ذات المحدود ويدلّ على ماهيته.
فأما ان يكون رأي الجميع او الاكثرين ، واعتقادهم في هذين الحكيمين انهما المنظوران والامامان المبرّزان في هذه الصناعة ، سخيفا
__________________
(١) قوله ان أفلاطون وأرسطو اقتصر عملهما علي تدوين العلوم ، ووصف أحوال موجودات العالم علي ما هي عليه دون اختراح وابداع ، لا يتفق مع ما قاله عنهما قبل قليل.