تضرب الامثال؛ واليهما يساق الاعتبار؛ وعندهما يتناهى الوصف بالحكم العميقة والعلوم اللطيفة ، والاستنباطات العجيبة ، والغوص في المعاني الدقيقة المؤدية في كل شيء الى المحض (١) والحقيقة.
واذا كان هذا هكذا ، فقد بقي ان يكون في معرفة الظانّين بهما ان بينهما خلافا في الاصول ، تقصير. وينبغي ان تعلم ان ما من ظن يخطأ ، او سبب يغلط ، الاّ وله داع اليه ، وباعث عليه. ونحن نبين في هذه المواضع بعض الاسباب الداعية الى الظنّ بان بين الحكيمين خلافا في الاصول؛ ثم نتبع ذلك بالجمع بين رأييهما.
اعلم ، ان مما هو متأكد في الطبائع ـ بحيث لا تقلع عنه (الطبائع) ولا يمكن خلوها عنه ، والتبرؤ منه في العلوم والآراء والاعتقادات ، وفي اسباب النواميس والشرائع ، وكذلك في المعاشرات المدنية والمعائش ـ هو الحكم بالكلّ عند استقراء الجزئيات : اما في الطبيعيات ، فمثل حكمنا بان كل حجر يرسب في الماء ، ولعل بعض الاحجار يطفو؛ وان كل نبات محترق بالنار ، ولعل بعضها لا يحترق بالنار ؛ وان جرم الكل متناه ، ولعله غير متناه. وفي الشرعيات ، مثل ان كل من شوهد فعل الخير منه على اكثر الاحوال ، فهو عدل ، صادق
__________________
(١) المحض : الخالص الذي لم يخالطه غيره. يقال محضه النصح : أخلصه إياه. ونسب محض خالص.