ومن ذلك ، النظم والترتيب والرسم الذي في كتبه العلمية ، حيث تظنّ ان ذلك طباع له ، لا يمكنه التحوّل عنه. فاذا تؤمل رسائله وجد كلامه فيها منشأ ومنظوما على رسوم وترتيبات مخالفة لما في تلك الكتب. وتكفينا «رسالته» المعروفة الى افلاطون ، في جواب ما كان افلاطون كتب اليه به ، يعاتبه على تأليفه الكتب وترتيبه العلوم ، واخراجها في تأليفاته الكاملة المستقصاة. فانه يصرح ، في هذه «الرسالة الى افلاطون» ، ويقول : «اني وان دوّنت هذه العلوم والحكم المضمونة بها ، فقد رتّبتها ترتيبا لا يخلص اليها الاّ اهلها ، وعبّرت عنها بعبارات لا يحيط بها الاّ بنوها». فقد ظهر ، مما وصفناه ، ان الذي سبق الى الاوهام من التباين في المسلكين في امر ، يشتمل عليه حكمان ظاهران متخالفان ، يجمعها مقصود واحد.
ومن ذلك ايضا ، امر الجواهر ، وان التي منها اقدم ، عند ارسطوطاليس غير التي منها اقدم ، عند افلاطون. فان اكثر الناظرين في كتبهما يحكمون بخلاف بين رأييهما في هذا الباب. والذي حداهم الى هذا الحكم ، وهذا الظن ، هو ما وجدوا من اقاويل افلاطون في كثير من كتبه ، مثل كتاب «طيماوس» (١) ، وكتاب «بوليطيا الصغير» (٢) ، دلالة على ان افضل الجواهر واقدمها واشرفها ، هي القريبة
__________________
(١) كتاب طيماوس احد محاورات أفلاطون.
(٢) كتاب بوليطقا أو السياسة.