ومن ذلك ايضا ، امر اخلاق النفس ، وظنّهم بان رأي ارسطو مخالف لرأي افلاطون. وذلك ان ارسطو يصرح في كتاب «نيقوماخيا» ان الاخلاق كلها عادات تتغير ، وانه ليس شيء منها بالطبع؛ وان الانسان يمكنه ان ينتقل من كل واحد منها الى غيره بالاعتياد والدربة. وافلاطون يصرح في كتاب «السياسة» وفي كتاب «بوليطيا» خاصة بان الطبع يغلب العادة؛ وان الكهول حيثما طبعوا على خلق ما ، يعسر زوالهم عنه؛ وانهم متى قصدوا زوال ذلك الخلق عنهم ازدادوا فيه تماديا. ويأتي على ذلك بمثال من الطريق : اذا نبت فيه الدغل والحشيش والشجر معوجّة ، متى قصد خلاء الطريق منها او ميل الشجر الى جانب آخر ، فانها اذا خلّيت سبيلها اخذت من الطريق اكثر مما كانت اخذت قبل ذلك.
وليس يشكّ احد ممن يسمع هاتين المقالتين ان بين الحكيمين في امر الاخلاق خلافا.
وليس الامر ، في الحقيقة ، كما ظنوا. وذلك ان ارسطو ، في كتابه المعروف «بنيقوماخيا» انما يتكلم على القوانين المدنية ، على ما بيناه في مواضع عن شرحنا لذلك الكتاب. ولو كان الامر فيه ايضا على ما قاله فرفوريوس (١) ، وكثير ممن بعده من المفسّرين ، انه يتكلم على الاخلاق ، فان كلامه على القوانين الخلقية والكلام القانوني ، ابدا يكون كليا
__________________
(١) فرفوريوس : (٢٣٣ ـ ٣٠٥ م) هو ملخوس الصوري ، تتلمذ علي افلوطين في روما ، وتصوف مثله. وشرح افلاطون وارسطو ، ووضع «المدخل الي المعقولات» حيث تكلم علي النفس والعالم المعقول حسب افلوطين واشتهر بكتابه «ايساغوجي» الي المدخل الي مقولات ارسطو.