والمراد بـ (الضلال المبين) أي الظاهر هو الشرك باتّخاذهم الأصنام آلهة ، والعمل بقوانين الجاهليّة من الاقتسام بالأزلام وأكل النطيحة والموقوذة والمتردية ونحو ذلك ، والجملة في محلّ الحال ، والرابطة «الواو» والضمير ، أي يتلو آياته عليهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم ، والحال أنّهم كانوا قبل ذلك ضالّين عن طريقة الحقّ لا يهتدون إليه سبيلا ، فامتنّ الله عليهم بهذه المنّة العظيمة حيث كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها ؛ كما صرّح بذلك في موضع آخر من كتابه.
و (آخَرِينَ) في قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إمّا عطف على (الْأُمِّيِّينَ) فيكون في محلّ الجرّ ، أي بعثه في الأمّيّين الموجودين في عهده صلّى الله عليه وآله وفي الّذين سيوجدون بعدهم ، وفيه ما لا يخفى ، نعم لو عدّى «البعث» بـ «على» أو بـ «إلى» لاستقام المعنى في هذا العطف ، وإمّا على الضمير المنصوب في (يُعَلِّمُهُمُ) أي يعلّم الموجودين منهم بالدعوة الشفاهيّة وغير الموجودين بالدعوة العامّة الّتي تصل إليهم بالوسائط ، كما قال : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١).
و «آخرين» بفتح «الخاء» جمع آخر كذلك ، وإنّما جمع على «الواو» أو «الياء» و «النون» لأنّه وصف حيث إنّه في الأصل أفعل للتفضيل كأفضل ، ومعناه على ما صرّح به الرضيّ رحمه الله أشدّ تأخّرا ، قال في البحث عن غير المنصرف : وأمّا الأخر فإنّه جمع أخرى الّتي هي مؤنّث آخر ، وهو أفعل التفضيل بشهادة الصرف ؛ نحو : آخر ، آخران ، آخرون وأواخر وأخرى
__________________
(١) الأنعام : ١٩.