وموازن للمعلوم الخارجيّ كحكاية المرآة عن الصورة المقابلة لها الخارجة عنها ، لكنّها مطابقة لها.
وأمّا وجود «السماء» باللسان فعبارة عن تلفّظها به المركّب من الأصوات المقطوعة يعبّر عن التقطيع الأوّل بالسين ، وعن الثاني بالميم ، وعن الثالث بالألف ، وعن الرابع بالهمزة ، فيقال : سماء. وإذا كتبت على صحيفة فلها وجود كتابتيّ ، فاللفظ آخر المراتب وهو خال عن الذهن ، ودليل عليه ، والذهن أوسطها وهو خال عن العين الحقيقيّة ومطابق لها ، بل لو لم يكن الوجود العينيّ لم تنطبع في الذهن ، ولو لم يكن الذهنيّ لم يشعر به الإنسان ، فيعبّر عنه باللسان.
فظهر أنّ الأوّل يسمّى بالمعلوم الحقيقيّ ، والثاني بالعلم ، والثالث باللفظ ، وهي ثلاثة أمور متباينة ولكنّها متطابقة ومتوازية ، وكيف لا تكون متغايرة مع أنّ لكلّ خواصّ ليست للآخر ولا يلحقه.
فإنّ الإنسان مثلا يلحقه النوم واليقظة والحياة والممات والمشي وغير ذلك باعتبار وجوده العينيّ ، ويلحقه الابتدائيّة والخبريّة والعموم والخصوص والجزئيّة والكلّيّة ونحو ذلك باعتبار وجوده الذهنيّ ، ويلحقه العربيّة والعجميّة والتركيّة والحقيقة والمجاز والإطناب والإيجاز والاسميّة والفعليّة والحرفيّة ونحوها باعتبار الوجود اللفظيّ ، وهذا الوجود يختلف باختلاف الأعصار ، ويتفاوت بتفاوت عادة أهل الأمصار ، وأمّا الأوّلان فلا يختلفان أبدا.
وقد علمت أنّ الألفاظ عبارة عن الحروف المقطّعة الموضوعة باختيار