وفي مثل هذه الأجواء المحمومة والملغومة ، وإذا بكاتب إسلامي من مهد العلم والأدب والقيادة الرشيدة ، من حوزة قم العلمية المباركة ، يكتب عن نقطة الباء ، ويثير ما كان مدفوناً في خزائن الكتب ورفوف المكتبات ، وكأنّه جاهلا عمّا يدور حوله ، أو يتجاهل بما يجري في بلده أو البلاد الإسلامية ، وما يقع في العالم من الحوادث الغريبة والوقائع العجيبة.
فما هذا التأخّر والانحطاط الفكري.
وهل من الضرورة إثارة مثل هذه المواضيع الحساسة ، والتي أكل الدهر عليها وشرب؟!
ولكن حجتي وبرهاني في العمل والكتابة ، إنّما هو انطلاقاً من النقاط التالية :
أوّلا ـ قال أمير المؤمنين علي عليهالسلام في نهجه البليغ : «العاقل الذي يضع الأشياء في مواضعها» (١).
فمن كان يمثّل الأنبياء في هداية الناس وسعادتهم ، ويجذبهم إلى الخير والصلاح والإصلاح ، إنّما مقصوده ورسالته الدينية ، تحتّم عليه أن يحذو حذوهم ، وأن يبذل جهده ، ويضحّي بالنفس والنفيس من أجل سعادة الناس وهدايتهم إلى سبيل اللّه وصراطه المستقيم ، لا أن يخترع القنبلة الذرية ، أو يصنع الطائرة النفّاثة ، أو يشتغل في المصانع وينتج المنتوجات الراقية ، أو يتخصّص في أمراض الدماغ والعملية الجراحية المتطوّرة للقلب ، أو غير ذلك من الحِرَف والمهن والصناعات. بل لكلّ علم وفنّ رجاله وأصحابه ، ومن الحماقة أن نطلب من رجل الدين أن يفكّر في تطوير الحاسوب ، أو يخترع صناعة جديدة متطوّرة تواكب الزمن
__________________
(١) نهج البلاغة ، محمد عبده ٢ : ٢٠٥ ، الكلمات القصار : ٢٣٥.