الحقيقة «الّذين» عطف على مفعول خلقكم ، وغلب الخطاب على الغيبة في لعلّكم أو حذف «وإيّاهم» للظهور.
وأمّا المعنى فهو الأمر وإيجاب مطلق العبادة على كلّ الناس المخلوقين مسلما كان أو كافرا حرّا أو عبدا إلّا ما أخرجه الدليل من الصبيان والمجانين ، والمتّصف بالمانع من العبادة ، وأمّا الاستنباط فهو أنّها تدلّ على وجوب العبادة في الجملة ، ومشروعيّتها مطلقا فلا يحتاج إلى التوقيف ، فتصلح النافلة دائما والصوم كذلك وإعادة العبادة والقضاء وغير ذلك من أنواع العبادات ، وكون الكافر مكلّفا والعبد كذلك حتّى يثبت المنع ، وأمّا دلالتها على أنّ العبد لا يستحقّ بعبادته ثوابا لأنّها تدلّ على أنّ الوجوب المذكور للشكر على النعم المعدودة عليهم ، على ما ذكره القاضي ومثله قال في مجمع البيان فغير ظاهرة ، لجواز كون ذكر النعم المعدودة للترغيب والتحريص على الفعل ، والمنع من الترك ، لأنّ الآمر إذا كان ذا نعم كثيرة ، وذكر نعمه عند الأمر ، يكون ذلك أتمّ وأعلى في حصول الأمر فيزيد للمأمورين رغبة في الفعل ، وحثّا في عدم الترك ، نعم يمكن كون ذلك المعنى أيضا ولكن مع قيام هذا الاحتمال ما صارت الدلالة عليه واضحة ، نعم لا بدّ من دليل على إثبات استحقاق الثواب عليها ، غير هذا الأمر ، لقيام ذلك الاحتمال وذلك موجود ولعلّه إجماع الخاصّة والآيات والأخبار الكثيرة ، والدليل المذكور في أصول الكلام (١) ويؤيّده أنّ المنعم الغنيّ المطلق يمنّ على العباد في مواضع كثيرة بهذه النعم ، وإنّما هو المناسب مع عدم إرادة العوض ، فلا ينبغي كونها سببا وموجبا للعبادة فتأمّل.
الثامنة: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢).
أمّا الإعراب ، فالّذي إمّا منصوب بأنّه صفة بعد صفة للربّ ، أو بالمدح ، و
__________________
(١) من وجوب شكر المنعم عقلا.
(٢) البقرة : ٢٢.