واجبا إذا كان موجبا لترك الرياء أو يكون قراءة واجبة فيجب إسماع النفس ، بحيث يخرج عن حديث النفس ، ولا يكون عاليا بحيث يخرج عن الحدّ ، وقد قالوا ذلك في قراءة الصلاة الفريضة ، بل يمكن ذلك في مطلق القراءة الواجبة بل مطلق القراءة والدعاء ، وفي بعض الأخبار إشارة إلى ذلك ، وإن كان في بعضها ما يدلّ على جواز حديث النفس فتأمّل وأوّل.
ويحتمل أن يكون المراد استحباب إخفات الذكر والدعاء والقراءة ، دون المقدار الواجب ليبعد عن الرئاء كما قيل في استحباب السرّ في التصدّق المندوبة واستحباب فعل النافلة في المنزل دون المسجد ، وإن كان ذلك غير ظاهر ، وكذا سائر العبادات ، فإنّ الإخلاص فيها هي العمدة ، فكلّما بعدت عن شبهة الرياء كانت أولى ، فيكون المستحبّ في مطلق الذكر أوصاف التضرّع والخوف والإخفات والذكر بالقلب واللسان ، لا بمجرّد اللّسان والتلفّظ به ، فيكون (فِي نَفْسِكَ) إشارة إلى اعتبار القصد لا إلى السرّ ويؤيّده قوله (وَدُونَ الْجَهْرِ) حتّى لا يلزم التكرار ، فالمعنى اذكروا الله متكلّما قاصدا ومتضرّعا ومخافة وخائفا من عدم الإجابة ، وطامعا لها ، كما يدلّ عليه قوله تعالى (خَوْفاً وَطَمَعاً) (١).
وهذا آداب القراءة في نفسها ، وأمّا من حيث الوقت فينبغي أن يكون بالغدوّ والآصال ، أي أوقات الغدوات والعشيّات أوّل النهار وآخره وقت العصر كأنّهما اختصّا لفضلهما ، ولبعد العبادات فيهما عن الرئاء ، لعدم اطّلاع الناس لأنّ أكثر الناس فيهما في منزلهم مشغولون بحالهم فتأمّل.
ثمّ رغّب في الذكر وعدم تركه ونسيانه والعفلة عنه بقوله تعالى (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) ويحتمل التحريم كما هو ثابت في بعض الأوقات ، وعموم الترغيب على عدم الغفلة ، والتذكر للعبادة والاشتغال بذكر الله تعالى كما مرّ أو استعمال أوامره ونواهيه بأن يذكر الله وثوابه الموعود وعقابه عند أوامره فيفعل ولا يترك وعند النواهي فيترك ولا يرتكب.
__________________
(١) السجدة : ١٦.