للناس متعلّقا بجعلناه صلة له لا مفعولا ، ويحتمل أن يكون مفعولا ثانيا متعلّقا بمقدّر ، أي جعلناه مستقرّا (١) أو معبدا للنّاس ، وسواء بالنّصب يكون حالا بمعنى مستويا العاكف فيه والبادي ، وهما فاعلاه وفي صورة الرفع الجملة حال بالضمير ، وضعفه غير مسلّم كما بيّن في محلّه ، ويكون العاكف مبتدأ مؤخّرا للاهتمام بتقديم السواء والاستواء فانّ المطلوب هنا هو التساوي والمساواة ، وهو ظاهر فافهم.
ويحتمل أن يكون الجملة بدلا أو عطف بيان عن جملة (جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ) ومعناه ـ بناء على كون المراد بالمسجد الحرام الحرم تسمية للشيء باسم أشرف أجزائه ولهذا قيل في (أَسْرى بِعَبْدِهِ [لَيْلاً] مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أنّه أسرى من مكّة من شعب أبي طالب لا المسجد الحرام : جعلنا الحرم مستقرا (٢) ومعبدا ومنسكا لهم أو خلقناه لهم كلّهم لم نخصّ بعضا به دون بعض ، فيكون المقيم فيه والطارئ مستويين في سكناه بل سائر التصرّفات ولا يتملّكه أحد ، ولم يكن أولى به من آخر ، غير أنّه لا يخرج عن منزله الذي سكن وسبق كما في المساجد والأوقاف العامّة ، مثل الخانات والأراضي الّتي للمسلمين كافّة ، وفتحت عنوة ، وهذا يكون سبب التسوية الّتي أشار إليها بقوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) فإنّه لا شكّ في أنّ مكّة وحواليها فتحت عنوة ، والمفتوحة عنوة مستو فيها الناس : العاكف والبادي ، بمعنى أنّه لا يتملّك ولا يصحّ بيعها نعم المتصرّف فيها أولى بها ما دام قائما بعمارتها ، ونازلا فيها وله التصرّف فيما يخصّه من العمارة والخشب والعمل على أيّ وجه أراد ، وما نقل عن بعض الصحابة من أنّ كراء دور مكة حرام ، فلما قلناه ، لا لأنّ الله قال (سَواءً) ولا لأنّ مكّة كلّها أو الحرم مسجد ، كما نقل عن بعض الأصحاب ، فإنّه بعيد بل لا يفهم له معنى للزوم تجويز الجنابة والنجاسة المتعدية في المسجد وغير ذلك من المفاسد ، وبهذا يجمع بين ما تقدّم وبين فعل المسلمين الآن من البيع والإجارة ونحوهما ، إذ يحمل على أنّه باعتبار ما يخصّه مثل العمل وحينئذ لا خصوصيّة للحكم بمكّة ولا بالحرم.
ويحتمل أن يكون المعنى جعلناه قبلة لصلاتهم وغيرها ، مثل دفن الأموات والذبح ومنسكا لحجّهم والطواف فيه ، وصلوتهم فيه ، فالعاكف والبادي فيه
__________________
(١) مشعرا خ ل.
(٢) مشعرا خ ل.