منه تعالى والأثر المترتّب على فعل العبد والأصلح من الله ، فيتّكل على الله لا على فعله ، ويعتقد ذلك.
فليس معناه الواجب أن لا يفعل شيئا أصلا ويتّكل عليه بأن يريد الزرع والربح من غير عمل ويقول أنا متّكل على الله لأنّه واجب أو يريد الرزق بغير طلب كذلك أو يريد هلاك العدوّ والغلبة عليه بغير قتال والتدبير ، أو يريد الخفاء عن العدوّ ولا يختفي عنه بما يقدر مع علمه بطلبه له ، أو يقدر على الهزيمة ولا يفعل بل يقول : الله يحفظ وأنا متوكّل عليه لأنّ الفعل والسعي أيضا مطلوب ومرغوب بل واجب في بعض الأوقات كالتوكّل ، وإلقاء النفس في التهلكة حرام وإنّ الله تعالى لا يفعل أمثال ذلك غالبا إلّا بالأسباب الّتي تكلّف العباد بها.
نعم قد يفعل ذلك بلا سبب بالنسبة إلى الأنبياء والأولياء إن أراد ، فإذا علموا ذلك فلهم أن يفوّضوا إليه بالكلّية كما ورد في الأخبار بالنسبة إلى بعض الأئمّة عليهمالسلام من عدم هربهم عن الأسد ، وقولهم إنّه لو لم يعص الله الشخص لقدر على حمل الأسد مثل الدابّة ، فلا يقاس فعلهم بفعل غيرهم ، ولا يجعل قولهم كلّيا. فما ورد أنّ التوكّل على الله هو أن لا يخاف أحدا غير الله ، ويعلم أنّ غيره لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يسأل أحدا شيئا ويقطع الطمع عمّن سواه تعالى ، كأنّه مؤوّل بما قلناه من أنّه النافع ، والقادر على دفع الضّرر ، وإن أراد النفع ينفع من غير مانع وكذا الضرر ، وكذا قادر على دفع العدوّ وضرره ، أو أنّه لا يخاف غيره خوفا يوقعه في المحرّمات وترك الواجبات ، وكذا يعتقد أنّ غيره يضرّ وينفع ، فيقع فيهما لذلك وكذا السؤال ، كما قيل مثل ذلك في التأسّف والحزن على ما فات والفرح بما هو آت اللّذين هما منهيّان بالآية الشريفة (١) والسنّة الكريمة وغيرها من الآيات والأخبار الّتي هي مؤوّلة مثل ما ورد في صفة المؤمن.
وممّا يؤيّد ذلك أنّ الإنسان مخلوق ضعيفا وبالطبع يخاف ممّا يؤذيه ويضرّه ويريد ويميل إلى ما ينفعه ويشتهيه ، ولهذا كلّف وأثيب بالطاعات وترك المعصيات
__________________
(١) يعنى قوله تعالى (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ، الحديد : ٢٣.