عندهم قد يكون سببا لذلك فإنّهم قد يريدون أن يغيظوا المسلمين ، فإذا لم يكونوا معهم لم يفعلوا ، وقد يكون الجلوس عندهم موجبا لذكر آلهتهم فيريدون انتقام ذلك فيكفرون ويستهزؤن بآيات الله ، وإليه أشير في قوله تعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي آلهتهم (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١) وهذه صريحة في عدم جواز فعل مباح بل واجب لو كان موجبا لسبّ الإله ونحوه ، فلا يفعل شيء يلزم منه ذلك من سبّ آلهتهم وغيره مثل سبّهم وسبّ أصحابهم ، إذا كان موجبا لسبّ النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام والمؤمنين وهو ظاهر عقلا أيضا.
والمراد بما نزّل ما هو المذكور في الأنعام بقوله (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢) أي وإن أنساك الشيطان النهي عن مجالستهم فلا تقعد معهم بعد أن ذكرته ، قيل : الإنساء ، فعل الله أضيف إلى الشيطان لجري عادته تعالى بفعل النسيان عند الاعراض عن الفكر ، ووسوسة الشيطان ظاهره أنّ الخطاب له صلىاللهعليهوآله ويحتمل أن يكون من قبيل «فاسمعي يا جارة» أو سمّي عدم الإحضار وتوجّهه إليه بالفعل إنساء ، فلا يدلّ على إنساء الشيطان الأنبياء.
قال في مجمع البيان قال الجبائي : وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول الإماميّة في جواز التقيّة على الأنبياء والأئمّة وأنّ النسيان لا يجوز على الأنبياء ، وأنت تعلم أنّ الآية لا تدلّ على عدم جواز التقيّة فإنّها مطلقة يجوز تقييدها بعدم الخوف والضّرر ، وعدم المفسدة ، مع أنّهم لا يجوّزون التقيّة على الأنبياء وقد عرفت حكاية النسيان مع أنّه قد جوّزه بعضهم في غير الأحكام وقد فصّل ذلك الصدوق وذكره مفصّلا أيضا في مجمع البيان حيث قال في جواب الجبّائيّ وهذا القول غير صحيح ولا يستقيم ، لأنّ الإماميّة إنّما يجوّزون التقيّة على الإمام ـ إلى قوله : وأمّا السّهو
__________________
(١) لفظ الآية هكذا (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) الانعام : ٢٠٨.
(٢) الانعام : ٦٨.