الثامنة: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ، فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) (١).
النجس القذر ، ظاهرها حصر أوصاف المشركين في النجاسة أي ليس لهم وصف إلّا النجاسة ، فالحصر إضافيّ بالنسبة إلى الطهارة أي لا طهارة لهم.
فقول الفخر الرازي : حصر الله تعالى في هذه الآية الشريفة النجاسة في المشركين أي لا نجس غيرهم ، وعكس بعض الناس ذلك وقال لا نجس إلّا المسلم ، حيث ذهب إلى أنّ الماء الّذي استعمله المسلم في رفع الحدث مثل الوضوء والغسل نجس فالمنفصل من أعضائه من ذلك الماء حينئذ نجس بخلاف الماء الذي استعمله المشرك فإنّه طاهر لعدم إزالة حدثه (٢) باطل أراد منه أبا حنيفة فإنّه الّذي ذهب إلى ذلك على ما هو المشهور وفيه تعريض عظيم على أبي حنيفة ، حيث إنّه عكس ما قال الله تعالى ، مع أنّه ليس في محلّه على ما عرفت.
__________________
وأمر به بعد التطهير المطلق وهو الاغتسال الشرعي (فإن عدم تقييد التطهير بعضو دون عضو كما في غسل الجنابة يقتضي الاستيعاب) فإذا لم تتطهر ولم تغتسل بعد ، حكمنا بعدم الاستطابة وهو معنى الكراهية ، ودون ذلك في الكراهية ما إذا تطهرت لكن مقيدا بغسل الفرج من قذارة الدم ، لا بالإطلاق كما هو مفاد الآية الشريفة. ولذلك أفتى أهل البيت عليهمالسلام بجواز وطيها خصوصا إذا غسلت فرجها مع شبق زوجها كما في حديث محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليهالسلام أو بدونه كما في حديث على بن يقطين عن أبى عبد الله عليهالسلام.
(١) براءة : ٢٨.
(٢) قال في تفسيره الكبير بعد كلام له في مدلول الآية الشريفة ودلالتها على نجاسة المشرك : واعلم أن قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) يدل على فساد هذا القول ، لان كلمة انما للحصر ، وهذا يقتضي أن لا نجس إلا المشرك ، فالقول بأن أعضاء المحدث نجسة مخالف للنص ، والعجب أن هذا النص صريح في أن المشرك نجس وفي أن المؤمن ليس بنجس ، ثم إن أقواما ـ يعنى الحنفية ـ قلبوا القضية وقالوا : المشرك طاهر والمؤمن حال كونه محدثا أو جنبا نجس ، وزعموا أن المياه التي استعملها المشركون في أعضائهم بقيت طاهرة مطهرة ، والمياه التي يستعملها أكابر الأنبياء في أعضائهم نجسة نجاسة غليظة ، وهذا من العجائب.