وكذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (١) في الكشاف سمّى الشيء المؤتمن عليه أمانة وعهدا ومنه «أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ» «وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ» (٢) وإنّما تؤدّوا العيون لا المعاني ، ويخان المؤتمن لا الأمانة ، والراعي الحافظ ، يحتمل العموم في كلّ ما اؤتمنوا عليه من جهته تعالى والخلق والخصوص فيما حملوه من أمانات الناس وعهدهم ، وفي مجمع البيان : راعون أي حافظون وافون ، والأمانات ضربان : أمانات الله ، وأمانات العباد ، فأماناته تعالى هي العبادات كالصيام والصّلاة ونحوها ، وأمانات العباد هي مثل الودائع والشهادات وغيرها. وأمّا العهد فعلى ثلاثة أضرب : أوامر الله ، ونذور الإنسان ، والعقود الجارية بين الناس ، فيجب على الإنسان الوفاء بجميع ضروب الأمانات والعهود ، والقيام بما يتولّاه منها.
(الثالثة اليمين)
وفيه آيات :
الاولى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣).
ظاهرها نهي عن كثرة الأيمان والحلف على كلّ شيء أي لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم ولا تكثروا الحلف حتّى في المحقّرات وغير المهمّات الضروريّة ، ويؤيّد النهي عن كثرة الحلف (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) (٤) و (أَنْ تَبَرُّوا) علّة للنهي بحذف مضاف أي إرادة برّكم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ، فانّ الحلّاف مجترئ على الله فيكذب ، ولا يصلح أن يكون بارّا ولا متّقيا ولا مصلحا بين الناس ، وقد قيل غير هذا المعنى أيضا وهو أنّه لا تجعلوا الله حاجزا ومانعا لما حلفتم عليه من البرّ والتقوى
__________________
(١) المعارج : ٣٣.
(٢) الأنفال : ٢٨.
(٣) البقرة : ٢٢٤.
(٤) القلم : ١١.