ومعنى (أَنْ تَقُولُوا) إلخ أنّ الشيطان يدعوكم إلى أن تقولوا على الله ما لا تعلمون ، وهو مثل قولكم هذا حلال وهذا حرام بغير علم وتحريمكم على أنفسكم ما أحلّه الله ، وتحليلكم ما حرّمه الله اشتهاء وهواء أنفسكم.
فيفهم منه تحريم القول على الله سواء كان إطلاق الأسماء عليه أو وصفه بصفة من غير علم ، بل لا يبعد تعميم اعتقادهما أيضا أو بيان الأحكام الشرعيّة بأن يقول هذا حلال أو حرام أو مكروه أو مندوب أو واجب من غير علم يجوّز له ذلك بأن لا يكون مجتهدا ويقول ذلك من غير أن يكون ناقلا عن الكتب أو المشايخ كما هو الواقع كثيرا ، فيكون ما هو المتداول الآن بين الطلبة حراما إلّا أن يكون هناك قرينة تدلّ على أنّه ناقل ، ومع ذلك الاحتياط يقتضي الاجتناب إلّا مع التصريح بالإسناد إليهما.
وأمّا المجتهد فيجوز له ذلك بشرط بذل الجهد الواجب عليه مع حصول ظنّ شرعيّ له إما لأنّه عالم بذلك والظنّ وقع في الطريق كما بيّن في الأصول وأشار القاضي إليه هنا كما سننقله عنه ، ولعلّ وجهه أنّه يقول هذا مظنوني مجتهدا وكلّ ما هو كذلك فهو واجب العمل ، والأولى وجدانيّة ، والثانية إجماعيّة كذا في الأصول أو أنّ المراد بالعلم ما يجوز القول به وإن كان ظنّا فيكون العلم أعمّ وذلك كثير فلا يبعد جواز إسناد الأحكام إلى الله ونحو ذلك ممّا مرّ للمقلّد أيضا إذا أخذ عن شيخه المجتهد مع الشرائط ولكنّ الاسناد أولى.
قال القاضي : وفيه دليل على المنع من اتّباع الظنّ رأسا ، وأمّا اتّباع المجتهد لما أدّى إليه ظنّ مستند إلى مدرك شرعيّ فوجوبه قطعيّ والظنّ في طريقه كما بيّناه في الكتب الأصوليّة ، وقد ذكرت الوجه الّذي بيّنوه في الأصول بقولي ولعلّ وجهه إلخ وأنت تعلم أنّه لا يكفي الوجه المذكور لإسناد القول إلى الله بأن يقول إنّه واجب أو حرام مثلا ، مع أنّ له أن يقول ذلك وهو المطلوب منه ، وهو العلم بالأحكام الّذي هو وظيفة المجتهد ، لا أنّه واجب العمل لي ولمن يقلّدني فينبغي أن يقال حصل العلم أيضا من تلك المقدّمتين ، مثل أن يقول هذا مظنوني مجتهدا