أكلت (سُبُلَ رَبِّكِ) في مسالكه الّتي يحيل فيها بقدرته النّور المرّ عسلا من أجوافك أو فاسلكي الطرق الّتي ألهمك في عمل العسل ، أو فاسلكي راجعة إلى بيتك سبل ربّك لا يلتبس عليك (ذُلُلاً) جمع ذلول ، وهي حال من السبل أي مذلّلة ذلّلها الله وسهّل لك أو من الضمير في (فَاسْلُكِي) أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) عدل من خطاب النحل إلى خطاب الناس لأنّه محلّ الانعام والامتنان والمقصود من خلق النحل وإلهامه ، (شَرابٌ) يعني العسل لأنّه قد يشرب (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) بعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه أصفر ، وبعضه أسود (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) إمّا بنفسه كما في الأمراض البلغميّة أو مع غيره كما في سائر الأمراض إذ قلّ ما يكون معجونا والعسل لم يكن جزء منه مع أنّ التنوين فيه قد يكون مشعرا بالتبعيض ، ويحتمل التعظيم وقيل الضمير للقرآن وفيه بعد (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فانّ من تأمّل في فعله ووجود العسل ، وكيفيّة حصوله ، علم قطعا أنّ الله معلّم قادر حكيم عالم متّصف بجميع صفات الكمال ، فليس فيه نقص بوجه.
ففيها دلالة على حلّيّة العسل لكلّ من يجد وأخذ النحل لذلك ، ما لم يمنع مانع شرعيّ والاستشفاء بالأدوية وخصوص العسل وأنّ الله يشفي بالدواء وإن كان قادرا على ذلك بغيره لحكمة ، وطلب علم الطبّ بل علم الكلام والتفكّر في الأفعال والاستدلال بها على وجود الواجب وصفاته ، والحسن والقبح العقليّين فتأمّل.
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) (١) أي جعلكم متفاوتين في الرزق بأن جعل للموالي رزقهم ورزق مماليكهم ، وأمرهم بإعطائهم لهم ، فرزقكم أفضل من رزق مماليككم وهم بشر مثلكم وإخوانكم (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) ليس الّذين فضّلوا بمعطي رزق المفضّل عليهم ، بحيث يتساوون فيه أي كان ينبغي أن يردّوا ممّا رزقوا على مماليكهم حتّى يتساووا في الملبس والمطعم
__________________
(١) النحل : ٧٤.