رحمة (١).
فهو صلىاللهعليهوآله لم يكن لعّاناً في سجيّته ، ولم يلعن من لم يكن مستحقّاً للّعنة ، بل لعنَ جماعات وأفراداً مخصوصين يستحقّون اللعنة من الله ورسوله في ضمن ملاكات الأحكام الشرعية والموازين الإلهية ، ومثل هذا اللعن والسبّ والجلد لا معنى لاَِنْ يكون رحمة لصاحبه.
وهؤلاء القوم لم يسلموا إلاّ ليحقنوا دماءهم ، بعدما عجزوا عن الوقوف أمام الدعوة وطمس الإسلام فدخلوا الإسلام لتحريف بعض المفاهيم وإبدال مفاهيم أخرى مكانها ، وكان ضمن مخططهم التقليل من مكانة الرسول والتعامل معه كإنسان عاديّ يصيب ويخطئ ويسبّ ويلعن ، كما كان في مخطّطهم الاستنقاص من الإمام عليّ ، لأنّه كان قد وتر شوكة قريش وسعى لتحطيم سلطانهم.
فقد جاء في كتاب معاوية إلى عماله : «أن انظروا مَن قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه ، فَأَدنُوا مجالسهم وقَرِّبوهم وأَكرموهم ، واكتبوا إليَّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته».
«فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإنّ هذا أحبّ إلي وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله» (٢).
نحن لو تأملنا تاريخ قريش وما فعلته مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في بدء الدعوة وقضايا فتح مكّة لوقفنا على خبث الأمويين واستغلالهم لرحمة رسول رب العالمين ، فقد
__________________
(١) صحيح مسلم ٤ : ٢٠٠٧.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ : ٤٤ ـ ٤٥ باب ذكر ما مُني به آل البيت من الأذى والاضطهاد.