أحد.
لأن القول الأوّل يكذّبه كون السورة مدنية ؛ فلا يعقل أن يأتي خبرٌ كان في أوّل البعثة في آخر سورة من القرآن ، ولو صحّ ذلك القول وما يليه وأنّ الله كان قد عصم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فما معنى صلاة الخوف وما فعله صلىاللهعليهوآله مع الأعداء في السنوات الأخيرة من حياته الشر يفة؟
وأكثر من ذلك ، هو أنّ الرسول لو كان قد حُمِيَ هذه الحماية في بدء الدعوة واستغنى عن حماية أبي طالب ، فما معنى تلك النصوص الصادرة عنه صلىاللهعليهوآله إلى القبائل والتي يطلب منهم أن يحموه؟ بل ما معنى هجرته من مكّة إلى المدينة المنوّرة؟
فالآية صر يحة في نزولها في آخر حياته الشر يفة ، وبعد حجة الوداع ، إذ لو كانت في بدء الدعوة فلا معنى لعبارة (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إذ لم ينزل إليه إلاّ الشيء اليسير ، وهذه الجملة تدلّ على الماضي الحقيقي وهو يتطابق مع نزولها في آخر حياته صلىاللهعليهوآله ، وخصوصاً حينما نرى توقّف أمر الرسالة عليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)!
وعليه فالآيتان ـ آية التبليغ وآية المودّة ـ دالتان على شيء واحد مرتبط بأجر الرسالة وتبليغها ، وهما أمران مَولَويّان من الباري جل شانه (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) و (وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ، وكلاهما يرتبط بأمر الولاية والخلافة الإلهية ، لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يخاف من رجوع أمّته القهقرى ـ وهي كائنة لا محالة ـ وذلك لاجتماع قريش على العصبية والقبلية وسعيهم لإبعاد الإمام عليّ عن الخلافة وإمرة المؤمنين ؛ لأنّه وَتَر قر يشاً وكَسَر شوكتها وعظمتها.